الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

 

رميزان وجبر بن سيار

 

رميزان وخاله جبر شاعران متعاصران يربط بينهما، إضافة إلى علاقة الرحم، إعجاب متبادل وصداقة قوية يعززها تقاربهما في السن واشتراكهما في المزاج الشخصي وفي طريقة التفكير. كان كل منهما أميرا لبلده في وقت اتسم بحدة الصراع على السلطة ودمويته. لذا كثيرا ما بث أحدهما الآخر ما يشغل باله من هموم في رسالة شعرية تفيض بالشكوى وتلتمس النصح والمشورة. وتشكل الرسائل الشعرية المتبادلة بين رميزان وجبر نسبة كبيرة من إنتاج هذين الشاعرين مما أدى إلى تداخل إنتاجهما لدرجة يصعب معها الحديث عن مسيرة أحدهما الشعرية بمعزل عن الآخر. وسواء ابتدأنا بالحديث عن هذا أو عن ذاك فإن الحديث عن أحدهما يقود في نهاية المطاف إلى الحديث عن الآخر. وتعد قصائد رميزان وجبر، على رغم ما يعتور البعض منها من غموض واضطراب وركاكة وتفاصح، وربما تكلف في بعض الأحيان، في قمة ما أبدعته قرائح شعراء الجزيرة العربية. وينتزع إعجابك شعر رميزان لمتانته وقوة معانيه، كما يشدك شعر جبر لعذوبته ورقة حواشيه.

وتعد المراسلات الشعرية التي جرت بين رميزان وجبر من أقدم النماذج الإخوانية في الشعر النبطي، وربما دفع إبداع جبر ورميزان في هذا الموضوع إلى تحمس الآخرين إلى تقفي خطاهم، وأصبحت القصائد الإخوانية التي يتبادلها الشعراء ويبث فيها كل منهم شكواه إلى صاحبه من آلام الحب ويستنجد به ليسعى في الوصل بينه وبين من يحب من المواضيع الشائعة في الشعر النبطي. وإضافة إلى مراسلاته الشعرية مع رميزان، تثبت مخطوطات الشعر النبطي لجبر مراسلات أخرى مع شعراء آخرين سنأتي على ذكرها، لكنها ليست على مستوى مراسلاته مع رميزان. إلا أن الملفت للنظر أن مراسلات جبر مع جبينان ومع خليل بن عايد مطوع مسجد المسوكف بعنيزة تظهر فيها أول محاولة لتصريع الشعر النبطي ونظمه على قافيتين وعلى بحر المسحوب الذي وزنه مستفعلن مستفعلن فاعلاتن، وهذا ما ينفي نظرية من يقول بأن محسن الهزاني هو أول من نظم على هذا القالب.

ونلاحظ أنه على الرغم من العلاقة المتينة والصداقة القوية والاعجاب المتبادل بين رميزان وجبر، كما تسجله مراسلاتهما الشعرية الغزيرة، إلا أن مضامين أشعارهما تكشف لنا عن شخصيتين مختلفتين من حيث المزاج والطبيعة والتكوين. جبر بن سيار بلبل مغرد وفنان أقرب إلى شخصية الشاعر المحترف منه إلى شخصية الأمير المثقل بهموم الإمارة. وكانت لجبر صولات وجولات ومقابسات مع العديد من الشعراء الذين كانت صلاته بهم على ما يبدو أقوى من صلاته مع أنداده من أمراء ومشائخ عصره. هذا على خلاف رميزان الذي تنم أشعاره عن شخصية قيادية فذة وزعيم طموح صاحب همة عالية. ولم نعثر في المخطوطات على أي مراسلات شعرية لرميزان مع شعراء عصره غير تلك التي جرت بينه وبين خاله جبر وتلك التي جرت بينه وبين أخيه رشيدان بينما كانت له علاقات واسعة مع الأشراف وآل حميد وآل معمر وغيرهم من أمراء ومشائخ نجد في ذلك الوقت. والشعر بالنسبة لرميزان لم يكن هدفا ومطلبا في حد ذاته بقدر ما كان وسيلة التعبير المتاحة في ذلك العصر الشفهي لتسجيل المواقف السياسية وتخليد الأحداث وبلورة الرؤى والتصورات حيال الواقع السياسي والاجتماعي والانساني بوجه عام. لم تكن للكلمة الشعرية عند رميزان قيمة إلا بقدر ما هي تسجيل للفعل والحدث المؤثر.

ينتسب جبر إلى السيايرة من الدعوم من الجبور من بني خالد، أمراء بلدة القصب. ولا نعرف اسمه كاملا وذكر الحاتم في ترجمته له أنه "يسمى جبر ابن سيار ومنهم من يسميه جبر ابن حزمي ولكن الأصح جبر ابن سيار ابن حزمي كما ورد في بعض القصيدة." (الحاتم 1981، ج1: 125). ويبدو أن الحاتم يشير إلى بيت من قصيدة لرميزان يخاطب بها جبر ويقول فيها "جبر بن سيار بن حزميٍّ عسى// يكفى صروف الدهر والاتعاس". ولكن الظاهر لي أن رميزان في بيته هذا اضطر إلى تقديم سيار على حزمي ليستقيم الوزن، لأن سيار ليس جدا قريبا وإنما هو الجد الأعلى الذي تنتمي إليه كافة عشيرة السيايرة وينتسبون إليه. وكثير من الشعراء الذين قارضهم جبر يلقبونه ابن حزمي؛ يقول رميزان "مضى زمانك يابن حزمي عامر// وانا زماني خاربٍ متعطّل"، ويقول جبينان "أضعاف أنوار الغزاله وما لاح// برقٍ لابن حزمي وما شِدّن العيد"، ويقول خليل بن عايد "تهدى إلى جانب جميل السجيات// جبر بن حزميٍّ اخا نيّة الخير". وقد اطلعت على نبذة مخطوطة من أربع ورقات في التاريخ والأنساب لهجتها عامية ومعلوماتها ليست دقيقة وتبدأ بهذه العبارة الاستهلالية "بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وصحبه وسلم يقول جبر بن جبر راعي القصب". والمرجح أن المقصود هو جبر بن سيار الذي كان على ما يبدو يحاول أن يمارس حرفة التأليف. ومن غير المستبعد، على ما يظهر من هذه المخطوطة، أن جبر سمي على أبيه جبر. وأكمل اسم نستطيع استخلاصه له من هذه الدلائل هو جبر بن جبر بن حزمي بن سيار.

وكان جبر ورميزان يستخدمان الكنى أحيانا بدل الأسماء في مخاطبة أحدهما الآخر. كان جبر يكني رميزان أبو مشاري:

    يامبلغ أبو مشاري والذي // أنف المروّه في يده عطّاس

وأحيانا يكنيه ابن علي، علما بأننا لا نعرف من بين أجداد رميزان من اسمه علي:

    فإذا بذلت المال مع روحي فهو // هذا العذر من غايتك يابن علي

وكان رميزان يكني جبراً أبو شتوي:

    فعمهم التسليم مني وخصّ لي // أبا شتوي ملفى نبا كل حاذق

    وقل له لفاني منك قيلٍ لعله // بْرَدّ القضا ياجبر لي منك لاحق

وفي إحدى القصائد الموجهة إلى رميزان يكني جبر نفسه "أخو محمد" في هذا البيت الذي قاله جبر على افتراض أن هذا ما خاطبه به رميزان:

    حتى شكى لي بالفنون وقال لي // ياخو محمد بالقضا لي عجّل

لم يرد لجبر بن سيار ذكر في مصادر التاريخ، لكن وضعه على ما يبدو كان أكثر استقرارا على الجبهة الداخلية من رميزان، فلا يرد في شعره أي ذكر لأي صراع بينه وبين أحد من أقاربه على إمارة بلدة القصب. وأول أمير من أمراء القصب يرد اسمه في مصادر التاريخ هو راشد بن سعد الجبري الذي ذكره ابن بسام في تحفة المشتاق حينما أرخ لحوادث سنة 1015، وذلك في قوله "في هذه السنة ظهر الشريف محسن بن حسين بن حسن بن أبي نمي إلى نجد وقتل أهل بلد القصب من بلاد الوشم ونهبهم وفعل الأفاعيل العظيمة ودمر بلد الرقيبيّة المعروفة من بلد القصب وقتل أهلها وقتل رئيس البلد المذكورة راشد بن سعد الجبري من بني خالد". وعمر جبر طويلا وعاش بعد مقتل رميزان ويبدو أنه مات ميتة طبيعية بعد ما كف بصره ووهنت قواه. ويذكر الأستاذ عبدالله بن خالد الحاتم (1981، ج1: 125) أن جبراً توفي حوالي سنة 1120هـ. كما يذكر الربيعي في إحدى مخطوطاته أن مطوع المسوكف خليل بن عايد أرسل قصيدته لجبر سنة 1115هـ، مما يعني أن الأخير كان ما زال على قيد الحياة في تلك السنة. ولم ينافس أحدٌ جبرا على إمارة القصب وبعد أن تقدمت به السن سلم جبر الإمارة طوعا وبشكل سلمي تماما إلى ابن أخيه ابراهيم بن راشد بن مانع الذي تذكر مصادر التاريخ النجدية أنه احتفظ بالمنصب حتى وفاته قبل عمه جبر عام 1106هـ. وآلت إمارة القصب من بعده إلى ابنه عثمان بن ابراهيم بن راشد بن مانع. وهذا الأخير هو الذي عناه حميدان الشويعر في قوله من قصيدته التي يعتذر بها من ابن معمر:

    فقلت لعثمان النخِيّ ابن مانع // وكل فتىً ياوي إلى من يوانسه

    هل ترتجي لي يابن سيّار جانب // من العذر والهجس الذي أنت هاجسه

وضمن طقوس تسليم السلطة ينظم جبر قصيدة يوجهها إلى ابن أخيه بمناسبة تسليمه الإمارة يرشده فيها إلى الأنماط المستحبة وغير المستحبة في السلوك والتعامل مع العدو والصديق ويسدي إلىه فيها بعض النصائح والإرشادات التي يجدر به اتباعها ليكون أميرا ناجحا. والقصيدة "منافيستو" سياسي يختصر لنا رؤية أهل ذلك العصر في الأسلوب الصحيح للحكم الذي ينبغي نهجه والسير عليه والأسلوب الخاطئ الذي يلزم الابتعاد عنه:

    01) ينبيك عن حقد القلوب اعيانها // فيها انكسارٍ واضحٍ باجفانها

    02) واعلم هديت ان القلوب شواهد // ينبي عن المكنون من كتمانها

    03) وافهم هديت ولا بليت بسيّه // يفداك من شاقاك من عدوانها

    04) اني نظمت من النشيد جواهر // ممزوجةٍ ماعوظةٍ عنوانها

    05) نصح لقيدوم البلاد ونورها // وسراجها الموضي عمار اوطانها

    06) حرج الجواد إلى المسامر لاقها // يزهى بضرب ارسانها بالبانها

    07) واف الذمام أبوخليل ومن بقى // عندي يقادي الروح في ميزانها

    08) يابا خليل اسمع لوضع وصية // تلبسك بالدارين من تيجانها

    09) عليك بالتقوى هي افخر ملبس // تنجيك في غد من لظى نيرانها

    10) متحمّلٍ غرم البلاد مشاجر // الضيف تعبى له غزير جْفانها

    11) وعامل لسكان البلاد بشيمه // بْسَهالةٍ ترجي بها غفرانها

    12) لا خير في قومٍ تشب وشاتها // وتجميعها الميلان من جيرانها

    13) الجار جسر للحروب مبادر // ياما يصادم بالوغى عيّانها

    14) اخفض عصاة الذل منك تواضع // للجار مهما تستشين بشانها

    15) واجعل لهم نصف الكتاب شريعة // ينقاد كرهٍ سبعها مع ضانها

    16) واجعل لهم بالوجه منك عباسة // وبشاشةٍ لاصلاحها في شانها

    17) وان جاك عنهم لوقيٍ بنميمة // لفظ ظرا يطعم نتاج قيانها

    18) اترك نباه وكن لجارك راحم // يرحمك خلاق الملا ديّانها

    19) فإلى بعثت الى الخصيم رسالة // اجعل مقاديم القنا قلمانها

    20) ومدادها نقع الجياد وطرسها // بسروجها عقبانها فرسانها

    21) وامكر وبق ولو عطيت وثايق // فالمكر بالاضداد راس أمانها

    22) حتى يتم الضد منك موجّل // متواضعٍ طول الحياة مهانها

    23) ونيران عيلات الخصيم طرايد // وذبحٍ بوسط اوطانها شجعانها

    24) إلى بغيت الدار يثبت عزّها // فاجعل على أوطانها حيطانها

    25) وحصّن مبانيها وتِمّ بروجها // كن البروج النايفات رْعانها

    26) فالى استِتَمّ لك البناء فنمها // واجعل حمام القصر روس اخوانها

    27) هذي وصيّة من عليك معوّل // يوطي العدى فيما عداك ارسانها

    28) واسلم ودم بمعزّةٍ ومهابة // مستامن في أمنها وامانها

    29) ثم الصلاة على النبي محمد // ما روجعت عجما الطيور الحانها

وعلى خلاف موقف رميزان من الأشراف لم أجد في شعر جبر أي مدائح لهم، كما لم نعثر له على أي مديح لحكام الأحساء من آل حميد، على الرغم من الصلة القبلية التي تربطه بهم، إلا بشكل عارض ومختصر كما في القصيدة التي أرسلها إلى رشيدان يحثه على الرجوع إلى سدير، وكذلك في الأبيات الأخيرة من هذه القصيدة الغزلية التي يسندها على رميزان. يبدأ جبر قصيدته بالتحذير من إطلاق النظرات الطائشة التي قد تجلب الشقاء والتعاسة على صاحبها فيما لو صدف وأن وقعت على زول جميل. وهذا ما يدعي جبر أنه حدث له فقد وقع في شراك الغرام حينما شاهد فتاة جميلة يستطرد في وصف مفاتنها. وفي البيت التاسع عشر يستنجد جبر بصديقه رميزان "أبو مشاري" ويطلب منه أن يسعى في الصلح والوساطة بينه وبين الحبيب. ومن البيت الخامس والعشرين يطلب لدار الحبيب بالسقيا على نفس النهج الذي تعودناه من شعراء الجبريين ويخرج من ذلك، وبنفس طريقة الجبريين أيضا، إلى المدح:

    01) بالله اثر شوف النظير اتعاسِ // شقاً لقلب المبتلى وافلاس

    02) ومن يرسل الناظر فليس بشاطر // لزما يصير بخاطره وسواس

    03) وانا نذيرٍ للغواة جميعهم // السافهين ومن بعقله راسي

    04) عن نظرةٍ تترك بقلبه هاجس // ياخذ بها دهرٍ وهو محتاس

    05) وانا نذيرٍ والنذير لجى به // جرحٍ بلاجي الروح ما ينقاس

    06) سبب صوابي سرت يومٍ سيره // أبغي التفكّر بالبلاد وناس

    07) طرق السفاه الى قبالي عندل // مجمولةٍ مدلولةٍ مكياس

    08) عنقا مفلجة الثنايا كنها // غصنٍ إلى ما هب به نسناس

    09) مجمول مقبولٍ وقرنٍ وارد // وخدٍّ زها نقش الستاد لعاس

    10) العين مغزلةٍ ونوره شارق // وترايبٍ بيضٍ كما القرطاس

    11) قلت السلام عليك ياصافي البها // واقفى ولا رد السلام واكاس

    12) وثنيت يَمّه بالتحيه جاهر // أبغي يكبّر في ردوده راسي

    13) واقفى ولا رد التحيه ما ادري // هو ذا حياً به أو جنابه قاسي

    14) قلت اذكر الآيه تراك مخالف // ما ذكر في رد التحيه باس

    15) قال اعلم اني فيك راعي طربه // طول الزمان ولا انقطع بك باسي

    16) ما غير خوفي من زنيمٍ مارد // همّاز لمازٍ بنا بلاس

    17) واقفى يجر التفت حجله حاير // واقدام خمص ويرجسن ارجاس

    18) وصفّقت انا له راحةٍ في راحه // بقلبي سراهيدٍ بغير قياس

    19) فيامبلغٍ أبو مشاري والذي // أنف المروّه في يده عطاس

    20) حاش المروّه دقّها وجْلالها // حاش المروّه عن جميع الناس

    21) قل له لجا بالقلب جرح ولا بقى // صبرٍ وانا بين الرجا والياس

    22) والياس أقرب لي فاقبل بيننا // تمشي لنا بالمصلحه وتواسي

    23) يبين حمدك وان جمعت لصاحب // مدلول مجمول الحلى ميّاس

    24) قد ردّني عقب التطوّع للهوى // في زمرة السياح حق مراسي

    25) ساقٍ سقى بلدانها بمهدهد // لجبٍ أغرٍّ واكفٍ رجّاس

    26) يسقي جميع رياضها وفياضها // والديم فيها بالقدر طمّاس

    27) عقب اربعينٍ ثم تنظر نبتها // الرقم والحوذان والبسباس

    28) لكن وصف اطيارها واشجارها // مترنّمٍ حلو اللحون اجراس

    29) لكن جوداها لمن يلجي بها // جودا الكريم وكاسب النوماس

    30) تعني إلىه الممحلين كما عنى // وفّاد نجد لكاسب النوماس

    31) زيد بن محسنٍ الشجاع ومن رقى // طرق المراجل واعتلى بالراس

    32) ماضى العزوم الهاشمي بكفّه // انف المروّه ما يزل عطاس

    33) برّاك فرّاك العدو الى بقى // كبرٍ فهو له لازمٍ عكاس

    34) ماضى العزايم ولد غرير لا هفا // ملجا الضعيف وللعدا دوّاس

    35) ثم الصلاة على النبي محمد // ما سار بالبطحا جميع الناس

وتختلف المخطوطات في رواية قصيدة جبر هذه. فقد وجدت ناسخ مخطوطة الذكير يقدم القصيدة بهذه العبارة "مما قال جبر يسندها على رميزان ويمدح فيها براك بن غرير راع الحسا تغزل". ويرد في مخطوطات الذكير والربيعي والعمري وكذلك الحاتم البيتان اللذان في مدح براك بينما لا يرد البيتان اللذان في مدح الشريف. أما الدخيل وهوبير فإنهما يوردان البيتين اللذين في مدح الشريف ولا يوردان البيتين اللذين في مدح براك. وابن يحيى هو الوحيد الذي ينفرد بالرواية التي أوردناها أعلاه، علما بأنه من غير المألوف، بل من المستبعد جدا، أن يمدح الشاعر حاكمين في قصيدة واحدة بهذا الشكل. والأرجح عندي أن يمدح جبر براك بن غرير لأنه من نفس القبيلة؛ أما البيتان اللذان في مدح الشريف زيد فيحتمل أنهما أصلا من قصيدة رميزان التي رد بها على خاله وذلك بحكم العلاقة الوثيقة التي كانت تربط رميزان بالشريف. ويرد رميزان على خاله يعزيه ويذكره بشهداء الغرام اللذين سبقوه منذ الأزمنة الغابرة. وفي آخر القصيدة يعرض عليه المساعدة إما بالمال وإما بالرجال. وهذا النوع من الرد يسميه شعراء النبط "مقاضاة"، ويفترض في المقاضاة أن تكون في نفس الموضوع وعلى نفس الوزن والقافية. يقول رميزان:

    01) حي النبا عِدّة جميع الناس // وعِدّة هبايب ذاري النسناس

    02) وعِدّ الجراد وما همل وبل السما // وكسا الرياض من النبات الكاسي

    03) أو هَلّ أو حَلّ أو تمتّع محرم // أو دار فُلكٍ أو أدير الكاس

    04) أو عِدّ ما تجري الرياح أو ما سقى // نو السحاب نوايع الاغراس

    05) واحلى من البان البكار وما جرى // أو ما كسى روض النبات الكاسي

    06) ولِذّ العفى من عقب سقم مطاول // وخلاف نصبٍ لذّة التعراس

    07) ليس التحيه بالمداد شفيّتى // سوادها وبياضها القرطاس

    08) إلا لمن أنشى البيوت قرايض // رحب الجناب على الزمان القاسي

    09) وخلاف ذا ياراكبٍ مترحّل // عالي القرا عالي دماغ الراس

    10) اختصّ جبرٍ بالتحيه قل له // سرٍّ وجهرٍ ياصليب الراس

    11) جبر بن سيار بن حزميٍّ عسى // يِكفى صروف الدهر والاتعاس

    12) ما والذي رفع السماوات العلا // والبيت والعرش العظيم الراسي

    13) خلّيت رد قْضاك عن سفهٍ ولا // بغضٍ ولا عدمٍ ولا متناسي

    14) ما غير ميلات الزمان الى انقضت // هذي والى ذي ليلها دمّاس

    15) إن جيت اعدّل ذا والى ذا مايل // متخالفٍ عيّازها والراس

    16) وعلمت إن الخير من والى السما // ورضيت بالمايل وبالمتواسي

    17) فان كان فيك من العذارى سطوه // وتقول جرح القلب ما ينْقاس

    18) فياما رمن المحصنات من ابلج // خلّي على جال الدروب يداس

    19) عيّنت هند وبشر كيف جرى لهم // وحكاية المقداد والمياس

    20) ورميح والسفّاف هو وفريسن // وحسين شوق مقدّم النعّاس

    21) وخلاف ذا أنا بليت بطفلة // البدر جا من خدّها قبّاس

    22) بين الطويله والقصيره عندل // تحدث بقلب العاشق الوسواس

    23) عنقا مفلّجة الثنايا كنها // غصنٍ غضيضٍ هزّه النسناس

    24) شِبْرٍ مَهَفّ الطوق عن تِرقاتها // منها عروق ضمايري يبّاس

    25) ومجلّلٍ متنه كما ذيل ادهم // على الردايف كنه الامراس

    26) في عفجة العطّار جوف غرايس // غينٍ يقادن الطلاح رواسي

    27) تخضّ لي الما لى بغيت وروده // تعطيني اخماسٍ تجي واسداس

    28) تركتها وسليت عنها خاطري // وانا لزفرات الغرام اقاسي

    29) فان كان خِلّك بالحطام شريته // جبنا له الميلان والافراس

    30) وان كان إلا بالمصادم للعدا // جينا العدا بصوارمٍ وطْياس

    31) وان كان في قصرٍ حصينٍ جيّد // عالى البنا عسرٍ قويّ الساس

    32) جينا بصبيانٍ الى نام الملا // غصبٍ على الحكّام والحرّاس

    33) ثم الصلاة على النبي محمد // ما غنّت الورقا بعال الراس

وعلى نفس نمط المراسلات الشعرية الإخوانية الذي يسميه شعراء النبط "مشاكاة" أي شكوى، نجد قصيدتين متبادلتين بين رميزان وجبر، إلا أن المبتدئ هذه المرة هو رميزان. لاحظ كيف يتخذ رميزان من الغزل مدخلا إلى الفخر بالنفس، حيث نجده ابتداء من البيت السابع والعشرين يتحدث عن جرأته وشجاعته وسطوته في أبيات تذكرنا بالمقطع الذي يبدأ من البيت الثالث والعشرين من همزية أبي حمزة والذي يستهله بقوله "أسري لها والليل ما حت الندى". يقول رميزان:

    01) ياجبر هو ضيم الليالي ينجلي // أو هو يخيّم في حشاي ويطولِ

    02) أعضّ أطراف البنان بناجذي // والدمع حرّق وجنتَيّ وهلهل

    03) والعين كن الشبّ يجلا موقها // والنوم عني له زمانٍ مطوِل

    04) ياجبر وان بانت عيوبي للملا // تراه من فرقا غزالٍ عندل

    05) ثيابها يشكن ضيم ردوفها // والوسط كالرخ الجديد معزّل

    06) أنا اشهد ان اللي خلقها قادر // حيثه بخلق رْدوفها متجزّل

    07) إلى مشت كن النعاس بعينها // من ثقل ردفٍ مثل طعسٍ معتلي

    08) حوريةٍ تغشى الظلام بنورها // سبع المثاني حرزها لا تنظل

    09) ياجبر كن نويهدات صويحبي // تفاحتينٍ أو حمل سفرجل

    10) ساعة نطحني يوم شفته دالع // غْشي علَيّ وطحت من يوم اقبل

    11) ظلّيت يازاكى الجدود بماقفي // فرايصي ترعد ودلّيت اهمل

    12) لى صد عني شفت بيض خدودها // واغضي إلى منه لحظني واغزل

    13) تروعني ما خفت من والى السما // من غير ذنبٍ ياغزالٍ عرض لي

    14) دنّق علي وقال ابحني فانني // ظلمت نفسي وانت لست تحمّل

    15) له قلت ما ابيحك ولا ابري ذِمّتك // حسبي بمولاي الولي متوكّل

    16) ما ابيحك الا ان كان حبك صادق // والهقوه انك ماكرٍ متحيّل

    17) تبسمت خلف اللثام وخلتها // برقٍ أضا بالليل كنه مشعل

    18) قالت أنا سالك بسمّاك العلا // أنت الأديب الشاعر المتنفّل

    19) له قلت انا هو والنشيد غرايبي // وانت الحبيب ومنك كبدي تصطلي

    20) قال ان سقيتك أنت تبري ذمتي // من كوثرٍ بين الشفايا سلسل

    21) تعذّرَت ياجبر وابدت عذرها // ومن حَلَف بالله لزما يُقبل

    22) يقول لي كان انت تهواني فانا // ذالي زمانٍ عنك أنشد واسأل

    23) ثم احكمت حبل المواصل بيننا // وشربت ريقٍ كالنبات معسّل

    24) واصبحت في بحر الغرام مسمّر // بحر الهوى ياجبر غرّق محملي

    25) من لامني جعله يكوس من العما // أعمى أصمٍّ ما يقوم محرول

    26) في حب ظبيٍ له هوىً في ضامري // لك العنا ياعاذلي لا تعذل

    27) أسري لها عقب العتيم بساعه // وبالكف من صنع الهنود مصقّل

    28) أخاف من سبع الظلام يهومني // يبغي عساني منه اذل وأجفل

    29) ما لي حذا سيفي صديقٍ صادق // يضحك الى ما ناش حد المفصل

    30) ومن كان يبغي الهم يجلي خاطره // يرخى الحسام على الهموم وتنجلي

    31) ياجبر حد السيف مفتاح الفرج // تراه لصعول الرجال يذلّل

    32) كم عاقلٍ جل المراجل فاتته // وكم جاهلٍ بالسيف حاش المنزل

    33) لى ناموا الحسّاد والواشي سرى // وقامت عيون العاشقين تبهذل

    34) أخذت سيفي واعتليت بدارها // ولقيت انا ما فوقها الا الترمل

    35) وهمزت باطراف البنان ردوفها // ونبّهتها مخافة انه تخجل

    36) اقول له أهلا وسهلا ياهلا // وتقول لي أهلا وسهلا ياهلي

    37) وسّدْتها زندي وصار وسادتي // زندٍ لها لين النجوم تكمّل

    38) هاروت سحره ناشيٍ في عينها // تودع قلوب العاشقين تبلبل

    39) هي سقم حالي هي شقاي وعلتي // وهي دواي ان ذِرّ فوق المقتل

    40) ياجبر جازى بالصدود وعافني // من عقب ما هو لي مودٍّ مقبل

    41) نسي الجميل وبار فِيّ صويحبي // وان شافني بالسوق دلّى يعجل

    42) ان قلت له ويش السبب في ذا الجفا // عذره يقول اني أحاذر من هلي

    43) ياجبر يوم الولف ما حاذر هله // والى تباطا جيّتي له كزّ لي

    44) ياجبر هو عقب الجماع تفرّق // وفي كتاب العشق ياجبر افت لي

    45) ياجبر ما تسعى بصلحٍ بيننا // حتى تنول الخير وانت محلّل

    46) ياجبر ما شافت عيوني مثلها // مصيونةٍ ما وقّفت في محفل

    47) ياجبر لو يرجع لنا عصر الصبا // يروف بالقلب العليل الممحل

    48) عِزّي لقلبٍ شاربٍ كاس الهوى // والنوم عافه مع لذيذ المأكل

    49) ياجبر إن كان الجبال تزلزلت // رجيت حبه عن ضميري يرحل

    50) ما اعرف انا حب العذارى قبلها // ياجبر حب البيض أثره يقتل

    51) ياجبر حبه عن مسيري عاقني // قد حط في رجلي حديدٍ مقفل

    52) هو مقفيٍ عني وانا في ساقته // يسري وانا يضحي الضحا في منزلي

    53) ما يتبع الخل المقفّي عاقل // ولا ذكر مشّايٍ يِرِدّ مهرول

    54) مضى زمانك يابن حزمي عامر // وانا زماني خاربٍ متعطّل

    55) والصبر درع المؤمنين يصونهم // يالله انا لك مقبلٍ متوسّل

    56) ان تقبل التوبه وتمحي زلّتي // ذا قول من هو عن ذنوبه مجزل

    57) واغفر ذنوبي واعف عني يالذي // على الخلايق فوق عرشك معتلي

    58) ثم الصلاة على النبي محمد // ما حن رعدٍ في سماه وهلهل

ويقاضيه جبر قائلا:

    01) أهلا عدد ما سال طعسٍ معتلي // أو ما إمامٍ في مهاميه تلي

    02) أو ما بكى طرف السحاب بفيضة // واينع زهرها عقب ما هو ممحل

    03) أو ما جرى راس اليراع بكاغد // خالي وحبره من مداده ممتلي

    04) أو ما تعاطن المزاح خرايد // في منزلٍ فيه المسارج تشعل

    05) أو ما تجاذبن الفنون حمايم // فوق الغصون الناعمات الميّل

    06) أو ما حدى حادى الركاب بفدفد // أو ما ازدحم وردٍ بجال المنهل

    07) بخطٍّ لفاني من صديقٍ ناصح // يودّني وانا بودّه مبتلي

    08) دِرٍّ يريد قْضاه مني عاجل // يذكر بأنه بايدٍ متبهذل

    09) ساعة لفاني قمت فرحٍ خاطري // كني ربيطٍ جا ضماني من هلي

    10) أو غايبٍ له عن دياره مدّه // واقبل واحاطت به ظعان المنزل

    11) أخم راس العلق واخطى الآخر // فرحٍ بخطٍّ من صديقٍ دَزّ لي

    12) به يشتكي لي من صواب خريده // يقول صابتني وقفّت تعجل

    13) ويشتكي لي من غزالٍ جافل // شافه وصابه فوق راس المقتل

    14) وادعاه بين الياس ينعى والرجا // متحسّفٍ متكسّفٍ متويّل

    15) حتى شكى لي بالفنون وقال لي // ياخو محمد بالقضا لي عجّل

    16) هذي سواة البيض غضّات الصبا // يلعبن بقلوب الغواة الهبّل

    17) كم علّقن من قلب صبٍّ مغرم // وادعن دموعه فوق خدّه تسبل

    18) واوفنه باطراف الحقوق لهايس // امسى وهو في بحرهن متوحّل

    19) حتى توحّل في بَحَرْهن وهوى // وقِطْع الرشا به قطعةٍ ما توصل

    20) شفقٍ على العمر العزيز محاول // يبي السلامه قال ليته تحصل

    21) كم مطمعٍ منه السلامه مكسب // وكم مكسبٍ منه الغنيمه تنجلي

    22) الراي دع عنك الهوى وطروقه // قبل يتحكّم فيك هُمٍّ يقتل

    23) وتحارب النوم اللذيذ ويستوي // في ريقك الما والعسل كالحنظل

    24) والله عنده في الجنان منازل // دورٍ وحورٍ كالبدور الكمّل

    25) يجزي بهن من طاع في يوم اللقا // ومن ضل يجزى النار بئس المنزل

    26) خذ ما تراه من الأمور ولا تكن // جزوع فان الهم خيره ينجلي

    27) ولا تبات الا بعيشٍ طيّب // عدمٍ من الشدّات والخاطر خلي

    28) وان كان مالك عن وصال صويحبك // بعينه ولا تقدر بغيره تستل

    29) عنّيت لك روحي وما تملك يدي // من المال وما لأهلي من حلي

    30) فإذا بذلت المال مع روحي فهو // هذا العذر من غايتك يابن علي

    31) مانيب من يجذي إلى جا موجبة // خله والى حل القضا به يزمل

    32) أنا على الضيقات فرجة صاحبي // لى بار فيه الأجنبي والآهلي

    33) اقدم وسم لاماه باللي يشتهي // واحذرك عن ما قال عطني تجفل

    34) ان كان وافق بالثمن فهو المنى // وان ما رضي جيته بحد مصقّل

    35) واشفي غليلك من خليلك عاجل // وادعيه لك من عقب ذا يتبدّل

    36) هذا مضى واسلم ودم في نعمة // ومعزّةٍ وتكمّلٍ وتجمّل

    37) وعداك في نقصٍ وهمٍّ دايم // وتدمّرٍ وتذيّرٍ وتخذّل

    38) هذا وصلى الله على خير الورى // الهاشمي افضل نبيٍّ مرسل

    39) والال والأصحاب أفضل عزوه // ألفٍ بما قال الكتاب المنزل

ومن القصائد المتبادلة بين رميزان وجبر على هذا النحو الذي يمتزج فيه الغزل بالفخر هاتان القصيدتان اللتان يبدأهما رميزان قائلا:

    01) دنياً تغيض أيامها وشهورها // وسنينها تسقي الرجال مرورها

    02) يقطعك يادنياً صفاها ساعه // عقبٍ تبدّل ما صفا بكدورها

    03) أشوف فيها البوم يمشي آمن // والحرّ ما هوب آمنٍ من جورها

    04) يبغى المتاع بها ولا هو حاصل // كيف الجدا يرجيه من سنّورها

    05) لولا انها دنياً تشيب اطفالها // ما كان يخشى الباز من عصفورها

    06) كد فرخت فيها الدجاج ورزّزت // راياتها وبنودها بقصورها

    07) دَنّ الدواة وْدَنّ لي طلحيّه // أرسم بمبريّ اليراع سْطورها

    08) الله من عينٍ إلى نام الملا // قزّت لكن التوتيان ذرورها

    09) متذكّرٍ عصرٍ مضى لي فايت // ما قلّطت فيه الوشاة سبورها

    10) مع طفلةٍ تسبي الفؤاد بضحكها // كما ابتسام البرق في ديجورها

    11) سكرانةٍ ريّانةٍ دجرانة // تقطف زماليق الهوى بظْفورها

    12) ميّاحةٍ مزاحةٍ عجابة // تشوي فؤاد الصِبّ في تنّورها

    13) مدلولةٍ مجمولةٍ معسولة // توضي نواحي سورها من نورها

    14) مقبولة الأوصاف يوضي خدها // تسوى الحجاز وشامها ومصورها

    15) وصنعا ودِمْشِق والعراق وهندها // وملك النصارى واليهود ودورها

    16) ريّانة الأطراف ضامرة الحشا // كتفٍ وردفٍ والهفى بخصورها

    17) تشبه قمر خمسٍ وخمسٍ واربع // بدر التمام وجَلّ خالق نورها

    18) تليعةٍ ولّعت انا في حبها // حتى رمتني في غزير بحورها

    19) ما اظن بالبيض العذارى مثلها // الحي واللي ميتٍ بقبورها

    20) تسبى قلوب العاشقين الى رمت // عنها الخمار وجلجلت بقمورها

    21) والله لولا طوقها وحجولها // لاقول ظبيٍ راتعٍ بقْفورها

    22) لما ان زرته جنح ليلٍ قال لي // من ذا الذي ما هاب من ناطورها

    23) له قلت انا يازين جيتك عاني // أفضى البلاد ولو حديدٍ سورها

    24) ياشوق لو بيني وبينك عسكر // زرتك ولا حاذرت من محذورها

    25) قالت ترى حولي وشاة وغيرهم // أبطال واحذر لا تجيك شرورها

    26) له قلت حد السيف يقعد من طغى // من ناش تاكله الحدا ونسورها

    27) الى ايتفى سيفٍ وقلبٍ صاطي // راحت جموعٍ كيدها بنحورها

    28) قالت لنا بك خاطرٍ من قبل ذا // واليوم جتك الروح وابدت شورها

    29) وامرحت وانا باجحٍ متبجّح // كني بجنات العلا ونهورها

    30) واحلو جمع اللام مع صاف البها // عقب الفراق وصدّها ونكورها

    31) يوم اجتمعنا بالمنام وصرّمت // غبر الليالي واقبلت بسرورها

    32) جتنا عجوز السو كن عيونها // جمرٍ تناقز شرها بحجورها

    33) شريةٍ ناريةٍ عمليه // وابليس شفته راكبٍ في كورها

    34) مكّارةٍ نكّارةٍ غدّارة // تنقض حبال العاشقين بزورها

    35) لما سعت بفراقنا وشتاتنا // ودزت لحرّاس القماش نذورها

    36) ياحسرتي من عقب فرقا صاحبي // أشقيت نفسي واحتملت خطورها

    37) ياعاذل الصب المصاب بحبها // احلم فلا للنفس عن مقدورها

    38) هَنِيّ دعبولٍ بنومه سايح // ما ذاق لذّات الهوى وخمورها

    39) ولا شد مجدولٍ طويلٍ ضافي // وقذيلةٍ والزعفران عْطورها

    40) ثم الصلاة على النبي محمد // ما غنت الورقا بروس حجورها

ويجاريه جبر قائلا:

    01) النفس دشّت طاميات بحورها // ولا تقضّت شفّها وسبورها

    02) يحّول ياجسمٍ نحيلٍ ما بقى // منه العشير وضاع في ديجورها

    03) وهواجس وروابعٍ ما فارقت // متذكّراتٍ سالفات عْصورها

    04) من لا يراعي طاعة الله خاسر // لو صار طربٍ خاطره بسرورها

    05) تراه لو رام العلا يومٍ فهو // ما نال منها الا متاع غرورها

    06) كم واحدٍ فيها يعمّر غافل // تجيه غارات النيا وسبورها

    07) لا تامن الدنيا وطيب ايامها // لو هي صفت لك ساعةٍ صيّورها

    08) على النفاد ولو تهيت ساعه // عقبه تغير ما صفى بكدورها

    09) ياراغبٍ فيها تغانم صفوها // فالموت لا بد النفوس يزورها

    10) وبليت من بد الانام بكاعب // مختارها من حيها وحضورها

    11) واخترتها من الغاويات نحيلة // وهي غريرٍ من غمور بزورها

    12) مختارها ما لي ربيبٍ غيرها // سبحان ربٍ نافخٍ في صورها

    13) عجّابةٍ مزّاحةٍ لعابة // تقطف زهر نبت الحشا بظفورها

    14) ريّانةٍ دجرانةٍ سكرانة // تجلى عن الكبد السقيم مرورها

    15) حيّالةٍ ميّالةٍ قتّالة // تجهر عيون الناظرين بنورها

    16) لو حِمْت في نجدٍ وحمت بفارس // والا بعد باقطارها ومصورها

    17) أو بالديار العامرات وبالقرى // والا مع اللي سايقٍ مظهورها

    18) ما شفت بالحيّين خودا مثلها // ولا جضيعٍ في لحود قبورها

    19) روميّةٍ حوريّةٍ مملوحة // كن البلوج مخمّرٍ بثغورها

    20) مدلولةٍ مجمولةٍ مزيونة // يضفي على حد البريم شعورها

    21) عانقتها وامسيت كني شارب // كاس المدام مقارفٍ لخمورها

    22) لولا اللباس وزيها وردوفها // قلت ان ذي رعبوبةٍ من حورها

    23) جوّارةٍ غدّارةٍ عيّارة // ومن العجايب ما تقاس بحورها

    24) ندب علي وقال ياتي زاير // قلت الزيارة همت انا بحضورها

    25) انسبت يمه والنجوم قد ادبحت // متجاوزٍ حرّاسها ونطورها

    26) سلّم علي وكاس عني مغضي // قلت السلام ولا تخف محذوورها

    27) نلت المنى منها وهي من طول ذا // عني نحت بمشيدات قصورها

    28) ما وقّفت بالسوق تقضي عازه // أو شمّت أوياش الغواة عطورها

    29) طفلٍ صديقٍ لي محبٍّ صافي // أرجيه رجوى زارعين بذورها

    30) وانا احمد الله خاطري به واهتنت // عيني بحلو النوم عقب سهورها

    31) ثم الصلاة على النبي محمد // ما غرّد القمري بظل حجورها

وهاتان قصيدتان متبادلتان بين رميزان وجبر لم أتبين موضوعهما ولا مناسبتهما. يبدأ رميزان قائلا:

    01) لعل الحيا ياجبر يعتاد داركم // بْنَوٍّ حقوقٍ صادقاتٍ مخايله

    02) من المفرح العالي جنوبٍ إلى النقا // سبوعين بالما دارجاتٍ مسايله

    03) وجاد الشفا حتى ملا كل ملزم // وحتى محا ما قد نحى من نثايله

    04) عساه ياليها إلى زان نبتها // فذيك المفالي منه ما هيب فايله

    05) منازل فيها يابن سيار لجّ بي // هوى صاحبٍ من دون داني حمايله

    06) تعرض لي كاحل العين عشقتي // وباح العزا ياجبر واودت رحايله

    07) يداني الخطى دجرٍ طفوقٍ من الهوى // كخطوة مختال السكارى تمايله

    08) ألفته وهو كد جا لعيني عشاقه // واكثر تعاليل الفتى من نحايله

    09) فلما رأى منّي هوىً واستحقّه // وبان بلا شكٍّ عيانٍ صمايله

    10) تبسم عجب في غاية الكيف وانثنى // كريمٍ وأضحى مدركن في حبايله

    11) وراق الهوى ياجبر بيني وبينه // وصار الهوى هذا الذي من ختايله

    12) سميح المحيا ينبت النور وجهه // يجيني على عنوان ما في فعايله

    13) قريب الرضا بالغيظ وان كان مغضب // لعينيك عذبات السجايا وسايله

    14) وقد شم ريح الموت وان سلهمت به // بلالحاظ من ريش المواقي رسايله

    15) فحسن ابن يعقوبٍ بدا في جبينه // وحكم ابن داودٍ بدا في شمايله

    16) به القلب مشغوفٍ فلا الهجر والجفا // مداوٍ ولا بالقرب تبرا غلايله

    17) تغيب حيا شمس الضحى كل ما بدت // وليل الدجى فيه الشبه من جدايله

    18) ونظرة معتانٍ بالاكناس مغزل // من الريم في ظلٍّ بحزوى مقايله

    19) ومنه استفدن الجيد آرام مشرف // وافاد جميع الحور باقي خصايله

    20) أراد فنى العشّاق فازداد صنعه // بنيل بهذيك الشفاتين طايله

    21) فلا خاشمٍ عَطْرٍ وشنبٍ لكنها // جواهر تجارٍ أضا من حصايله

    22) ينيل إلى ما سيل عذبٍ لكنه // زلالٍ لظميانٍ إلى سال سايله

    23) ورمانتي كرم وشمٍّ شمومه // من المسك والعود القماري عمايله

    24) قصير الخطى وافي البها هافي الحشا // نحيلٍ على ردفٍ ثقيلٍ وشايله

    25) وساقٍ كغصن الموز ما دَنّ حجلها // إلى الغَيّ تتلي جاهلٍ في جهايله

    26) غروٍ غريرٍ يطرد الغَيّ والهوى // ما اظن في سبع البرايا مثايله

    27) وياجبر هذاك الذي أنت خابر // من الصبر عن قلبي قد انجال جايله

    28) فكن عارفٍ عنوان ما بي ولا تكن // نفوعك فيما قد عنى الغير عايله

    29) بي علّةٍ لولا الحيا ما كتمتها // فياخوفتي يبدي لما بي زعايله

    30) وياجبر جاني منك مضمون كلمه // أردت بها نصحٍ وهي منك مايله

    31) نهار دهى خطبٍ لنا واستجله // من الناس من دق العلا من جلايله

    32) إن كنت مهتمٍّ على شان منزل // عذرناك حنا من حلاوي طلايله

    33) فحنا الذي ننسي العلا باغي العلا // وننسي القضا باغي القضا من قتايله

    34) ومد الرجا لا تطوى الياس يافتى // ترى بعد همات الفتى من نفايله

    35) أهل شان والحرب العوان الذي له // جراير يقزين الفتى عن حلايله

    36) ومن محن الدنيا هوى مولعٍ به // جفاه بقى حقي لغيري جمايله

    37) فياليت حظي يوم ما نال وصله // جميله من يَمّي مكافٍ دغايله

    38) على جد من هو وارثٍ من كلاله // والايام يغرين الفتى من هبايله

    39) وراسك حنا من قديمٍ ودارس // لنا المجد في تالي تميمٍ واوايله

    40) وحنا هل الفضل الذي لا يشوبه // منٍّ ولا راجي جدانا نماطله

    41) وحنا ذرى الجاني حجا كل مجرم // وحنا الذي يدرى المعادي فعايله

    42) رفيع الثنا مروي شبا ذارع القنا // حميد المساعي ماضياتٍ فعايله

    43) فياجبر لي قلبٍ إلى كل متعب // من المجد صعبات المعاني رحايله

    44) تراه لو في راحةٍ يدرك المنى // طموحٍ إلى نيل العلا في أوايله

    45) فمن كان عالي همّةٍ ما حلت له // معاشٍ ولو دالت له الناس دايله

    46) منك اسأل الغفران ياخير راحم // بيومٍ طويلٍ بيّناتٍ نفايله

    47) وصلّوا على خير البرايا محمد // عدد ما أضا برقٍ بعالي مخايله

ورد جبر على القصيدة السابقة لا يرد إلا عند الدخيل ويرد منسوبا لرميزان، لكن المتمعن في قصيدة رميزان السابقة وتلك التي سنوردها الآن يدرك أن القصيدة التالية تشكل رد جبر على رميزان.

    01) هلا ما هما وبل السما من مخايله // برسلة من زينات الانوا فعايله

    02) هلا بكتابٍ قد لفاني مصرّح // ومن خط باقلام اليراعي مثايله

    03) عدد ما عنى للبيت وفدٍ وما ثنى // إلى الدار شهمات المطايا رحايله

    04) وما أومض البرّاق بعنان مزنه // وكل نشاصٍ يغرق الما شعايله

    05) وما نسنست من كل فجٍّ وما شدا // حمام الحمى فيما علا من فسايله

    06) وما روجع الحادي ورا العيس واشتهر // أخا الزجر تصبيح الغوادي محايله

    07) وما شق متن الما من الساج مركب // وما اخضَرّ من نبت المفالي مسايله

    08) وما دارت الأفلاك أو ما تذاكروا // هل الدين في ريد الضحى أو أصايله

    09) وما لاح في الخضرا نجومٍ وعسكرت // هل الباس بلباسٍ على الضد صايله

    10) هلا به ما أضفى ظلامٍ رواقه // وما تبلج الأنوار لليل جايله

    11) وحيه وحي اللي لنا دَزّ واشتكى // بعزٍّ تطيع له السلاطين دايله

    12) ومن عقب ذا يامنتهى السد والذي // أخا سطوةٍ تقزي الفتى عن حلايله

    13) اريتك قولك لي تراني متيّم // بمن قادني واصطادني في حبايله

    14) فقبلك بشرٍ والمعنّى وزايد // وعروة والسفاف يرثى مخايله

    15) وقولك هذاك الذي أنت خابر // من الصبر عن قلبي قد انجال جايله

    16) فلا تشك لي فاني دنيفٍ من الهوى // وجسمي أخا مرضٍ كثيرٍ علايله

    17) على صاحبٍ حوريّ الالحاظ مغضب // علي بلا سبب هواياه هايله

    18) . . . . . . . . الى قابلتها بي عذرتني // فنايع يبغيها كذا في طايله

    19) . . . . . . . . . . . . بارع // . . . . . . . . . . . . طوال جدايله

    20) يدان الخطى ما بين ردفٍ ومنكب // عن الصوم تفطر بي مرارٍ مقايله

    21) شتا في نعيمٍ ناعمٍ طول عمره // وبالقيض مبسوط الحكى في ظلايله

    22) غذيّة شيخٍ من شيوخٍ متوّج // للاغضا ولوفٍ من مراعى نزايله

    23) سراجُ بها موضي لقيسٍ على القسا // تجود ويرجى فضلها عن فضايله

    24) سيايرة سقم المعادي وضدهم // على رتبة الاوزا كثيرٍ هبايله

    25) معكّفة ارقاب السبايا ضحى الوغى // إلى الريق ما يِلقى الندى من بلايله

    26) أياراسها في باسها ان عد فخرها // حمامٍ معاديها مزيدٍ غلايله

    27) وفتّاكها في ضدّها ان تاه حلمها // عن الدرب سكرٍ عايمٍ في جهايله

    28) ومصباح ناديها قداها ان تلولست // أمورٍ عليها ذات الاذهان ضايله

    29) أخا همّةٍ عليا ويمنىً حميده // ولكنها للمال ما هيب نايله

    30) فمن كان في ذا الجيل راعي فوايد // هبيلٍ ذليلٍ واضحاتٍ خمايله

    31) فقوله مسموعٍ مع الناس قدره // رفيعٍ وكذبه داخلٍ في صمايله

    32) ومن كان مفتقر الأيادي فقدره // مهانٍ وملفوه الحكى في حمايله

    33) فمنك اسأل الغفران ياخير راحم // بيومٍ عبوسٍ غالباتٍ نفايله

    34) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما أضا برقٍ بزاهي مخايله

ومن أهم القصائد المتبادلة بين رميزان وخاله جبر تلك التي بعث بها جبر إلى رميزان يشكو ملوحة الماء في ديرته والجفاف الذي حوّل البلد إلى أطلال خربة "تتلاعى" فيها الرياح الخمسة "زريبا وحربا والقبول والدبور والنكبا." ويقدم ناسخ مخطوطة الذكير هذه القصيدة بقوله "مما قال جبر بن سيار يسند على رميزان يشكي ديرته." ويتضح من القصيدة أن جبراً كان يتكلم عن كارثة بيئية وقعت فعلا نتيجة الجفاف وشح الأمطار، وهذا من الأشياء المألوفة في بلدان نجد قديما وهو المسؤول الأول عن هجرة السكان آنذاك وترك أوطانهم. وحينما يستفتح جبر قصيدته بمقدمة طللية فإنه لا يلجأ، كغيره من الشعراء، إلى هذا الأسلوب كتقليد شعري وإنما كوصف لحالة حقيقية يعيشها فعلا ويتألم لها. فقد تحولت بلده، بسبب ملوحة الماء وجفاف الآبار، إلى أطلال خربة. ويعود جبر بذاكرته إلى الوراء حينما كانت بلاده تنعم بالرخاء ووفرة المياه والغدران التي تخلفها الأمطار. وببراعة لا نظير لها يندفع جبر في رسم مشهد شعري تخيله بجانب أحد هذه الغدران يذكرنا بطريقة غير مباشرة بمشهد عنيزة، صاحبة امرئ القيس، وصويحباتها في دارة جلجل. يقول جبر إنه بينما كان في نزهة برية يتفيأ شجر البردي على أحد الغدران إذ شاهد فتيات يتجردن من ملابسهن ويتقدمن ليسبحن في الغدير دون أن يشعرن بوجوده. ويصف هذا المشهد وصفا جميلا. وقد أورد الأستاذ منديل الفهيد في الجزء السادس من مجموعة قطعة مشابهة ينسبها لدليان، مملوك ابن فاضل. ويقطع الشيخ منديل رواية القصيدة معللا سبب عدم إيراد بقية أبياتها بقوله إنها "ملصقة فيها لأن العرب ما يرضون سقط الكلام وما يقرّب للشك، ويتباعدون عنه، ثم يحدث من أسبابه شر على الجميع، فأنا توقفت عن ذكره لهذا السبب." (الفهيد 1413، ج6: 61). والأبيات التي يتوقف الشيخ منديل عن إيرادها هي قوله:

    عيالي مع البدو اعرف وسومهم // ثمانين بكره واربعين قعود

    عيالي لى بانوا عرفنا اشباههم // تراهم قطمان الخشوم فهود

    كم واحدٍ يعزى لابوه وهو لنا // عليه الليالى المظلمات شهود

والمشهد الذي يرسمه جبر للفتيات يذكرنا بموقف مشابه تعرض له ابن عجلان في قصة يوردها الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل في كتابه كيف يموت العشاق ويعلق عليها قائلا "والحلم بفتيات يبتردن في الماء خيال يداعب الرواة والعشاق." (ابن عقيل 1418: 313). بعد أن يستكمل جبر رسم ذلك المشهد الرائع يسدل الستار عليه ويتوجه بالخطاب إلى رميزان ليمتدحه ويسدي إلىه بعض النصائح والآراء التي يحتاج إلى التقيد بها ليقوي مكانته ويثبت مركزه في إمارة بلده. وأهم هذه النصائح الحرص على اختيار الرجال والأعوان. ويحث جبر ابن اخته على السعي إلى التحالف مع أحد أمراء وادي حنيفة الأقوياء الذي يكنيه أبا قاسم، وربما يكون ابن معمر. وفي آخر القصيدة يستشهد بالشاعر جعيثن اليزيدي من شعراء الدولة الجبرية. ويستشهد كذلك بشخص يسميه العكيس يبدو أنه كانت له قصة تتعلق بحبسه عند "أولاد المضا" والذين مر بنا أن المقصود بهم هم الجبريون. يقول جبر:

    01) أبحت العزا والعين أَبَت عن رقودها // تظل بجارى الما سريعٍ حشودها

    02) على ديرةٍ ماها هماجٍ ومدنها // دمارٍ إلى قابلتها مع نفودها

    03) خلت من تلاعي الورق والبيض والمها // سكّانها ساداتها في لحودها

    04) بلادٍ خلت ما عاد يبنى بربعها // جدارٍ ولا يِرجى النما من كدودها

    05) لكن تلاعي البوم فيها إلى سرت // فداويّةٍ بالحرب تبغي وفودها

    06) إلى صدح الفيوم في عالي البنا // يصرخ ويطربه الغنا في برودها

    07) إلى سرت فيها ابغضت مالي وسابقي // وأيقنت باللي عاد هذي يعودها

    08) خلت البلاد وعزوتي ذا رسومها // بلاقع قفر ما عاد حيٍّ يعودها

    09) خلا ربعها إلا ثلاثٍ جواثم // تبين من حظّاية المجد سودها

    10) لَعَيْنَ بها خمسٍ فأوحشن جالها // وزمّن بها سفح الذاوري نفودها

    11) زريبا وحربا مع قبولٍ وضدّها // دبورٍ ونكبا طال ما هو يعودها

    12) فأوحش منها الجال من عقب ما بها // تجرّر خوندات الصبايا جرودها

    13) وقفت ادير الفكر واقضي حواسف // والايام ما يفدي فواتٍ طرودها

    14) فقد هاض من حجر النظيرين عبره // عسى فيض جاري دمع عيني كمودها

    15) فياطال ما مازحت فيها خرايد // لكن قناوين الروايا جعودها

    16) تبسم لي اسنانٍ بليا صمايل // وتقاويل بِطْلٍ باطلاتٍ وعودها

    17) وفيها ظباً لكنهن لي ربايب // لكن جنى الرمان زاهي نهودها

    18) عَكَفْن ضحى يومٍ على جال مغدر // عطاشى وسيّاحٍ على الما ورودها

    19) ثم شمّرن عن كل ساقٍ لكنه // طليعة موزٍ بين الانهار عودها

    20) فهابن غزير الما فوقّفن دونه // عقّالها ما حق منها جرودها

    21) فحرّك راس الظل نسمٍ من الهوى // فحَقّ لها من جانب الما شرودها

    22) فرابعن الاها نسم ريحٍ فقادها // على الما سحور العين حورا ترودها

    23) وحذفن بثياب الغلى فوق جاله // وأقبلن صَفٍّ قاضبات عضودها

    24) تعاقبن الايدي من على اوساط خمّص // مدى العمر ما يشفي بها الا هدودها

    25) وانا بين برديٍّ على الماي جالس // وهن صفات الخام صافي جلودها

    26) وطالعت الى بين الصبايا تفاوت // كما الخيل تنفل قبّها عن معودها

    27) واقفن وانا منهن أداري صبابه // ورزّن علَىّ أبراج حظّي بنودها

    28) فأدميت انامل معصمي من توجّد // عليهن بأضراسٍ رهافٍ حدودها

    29) فقلت لماموني من الناس والذي // يقذّف سادات المعادي كبودها

    30) انقل وسيع الجوب غالٍ مسامه // إلى انقَضّ كنه قاصفٍ من رعودها

    31) رميزانٍ الماضي ومن تفتخر به // تميمٍ وذكره شايعٍ في هنودها

    32) تحرّاك تشكي يابن غشام من به // الى الغي نفسي ثم أمرك يقودها

    33) إلى الطوع وانا اسال ربٍّ بشانه // يديم لك ايام الرضا مع سعودها

    34) وضدّك في قِلٍّ وذلٍّ وحاجه // وأيامه الغبرّا كثيرٍ نكودها

    35) ومن عقب ذا ياحازم الراي بالعدا // إلى عاد ما يقعد صغاها عهودها

    36) ولا يسند العيال إلا رفاقه // الى جذّبوا شرثاتها من غمودها

    37) وكل عميلٍ صادق النفع بارع // إلى نافس الأعدا لزومٍ يرودها

    38) وعامل في وادي حنيفه متوّج // بكفّيه قد نبع الصخا من زنودها

    39) أبا قاسم اللي كل يومٍ قبيله // مفشّلها تنعى جهارٍ عنودها

    40) وبعدين لا تركن للاعداء وافتهم // لما قالوا الشعار بغالي نشودها

    41) الاعلام تعدا روس الانضا ولو صفت // قلوب الرجال فلا تدعها قرودها

    42) وفكّر في بيت العكيس الذي مضى // وهو عند أولاد المضا في صفودها

    43) ولا تنس بيتٍ لليزيدي جعيثن // بقوله في ظل الضحى في برودها

    44) وعش وابق في عزٍّ رفيعٍ ودايم // بعزك في الفيحا وتكفى نكودها

    45) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما لعت ورقا بعالي عودها

ومن الواضح أن هذه القصيدة قيلت بعد أن حقق رميزان مجدا سياسيا مرموقا وأصبح شخصية يشار لها بالبنان لأننا نجد جبراً يقول في البيت الواحد والثلاثين إن قبيلة تميم أصبحت تفتخر برميزان الذي شاع ذكره ووصل حتى بلاد الهند. ويرد رميزان على خاله بقصيدة عصماء من ستة وسبعين بيتا، وهي تعد من أشهر قصائده ويعتقد البعض أنها السبب في قتله لأنه تعرض فيها لمنافسيه على السلطة من بني عمه ووصفهم بالثعالب. وقد قال رميزان الأمير هذه القصيدة وهو في أوج قمته، وبعد أن حقق أكبر الإنجازات في عهده، وهو بناء السد "الحكر". يقول الشيخ عبدالله بن خميس عن الروضة وعن مشروع رميزان العظيم:

الروضة، كواحدة الرياض، بلدة من أكبر وأشهر بلدان سدير وأقدمها وأعلى بلدة في وادي الفقي ما عدا قُريَّة صغيرة تدعى المَعَشْبَة. فالروضة أول بلدة تستقبل سيل هذا الوادي، وكان قبل منخفضاً مجراه عنها ولا تستفيد منه إلا فائدة يسيرة، ففكر أهلها بزعامة (رُمَيْزَان بن غَشّام التميمي) أن يضعوا حاجزاً يرفع الماء إلى مستوى نخيل البلدة ومزارعها لكي ترتوي وما زاد يأخذ مجراه مع وادي الفقي إلى بقية نخيل بلدان سدير ومزارعه. وبطبيعة الحال سوف يعارض أهل سدير هذا الإجراء لأنه حدث في نفس الوادي يجعلهم بعد أن كانوا فضلاء مفضولين في حق السيل، فأعلنوا مخالفتهم. ولكن عامل القوة ذلك الزمان هو المهيمن على المجتمع، فقابلتهم الروضة بالقوة ووضعوا الحاجز وجعلوا له سبعين معبراً تسمى حتى الآن بالسبعين. وإذا طغى الماء وافترع السبعين فهو سيل كبير يقال: (صَبّت السبعين)، وتضاف هذه إلى رميزان، فيقال: (سبعين رميزان).. ومن ذلك الحين إلى اليوم تأخذ (الروضة) حصة الأسد من سيل هذا الوادي. (ابن خميس 1400، ج1: 485).

استطاع رميزان أن يستنهض همم الأهالي ليمدوه بالمال والرجال لبناء السد الذي ىصفه الدامغ قائلا إنه "عبارة عن سلسلة من الحجارة المحكمة الرص يتراوح ارتفاعها ما بين المترين إلى الثلاثة يتخللها سبعون عبارة تردم جميعها من قبل أهالي روضة سدير عند مجيء السيل لتلقف السيل المنحدر من وادي سدير وتغير اتجاهه إلى حقول الروضة ومزارعها. وعندما تمتلئ الحقول ومزارع النخيل يعود السيل إلى مجراه الطبيعي عبر السبعين تاركا منسوبا يروي كل أرض زراعية في الروضة." "الدامغ 1410: 16). استطاع رميزان، بشجاعته وقوة شخصيته وما يتحلى به من خصائص قيادية، أن يفرض إرادته على من حوله، بعد حرب دامية بين الروضة والقرى المحيطة بها. ويتضح من البيت السادس والأربعين أن رشيدان، أخو رميزان، شارك في بناء السد، مما يعني أن ذلك حدث قبل نزوحه إلى الأحساء عند آل حميد. وذكر رشيدان في القصيدة ومشاركته في بناء السد، يؤكد دوره البارز في تثبيت دعائم السلطة لأخيه رميزان في روضة سدير.

بعد مقدمة من الحكم والنصائح يوجه رميزان الخطاب إلى خاله جبر قائلا إنك تشكو من ملوحة الماء في بلدك أما أنا فأشكو من رفاقي. ويرى البعض أن المقصود بهؤلاء الرفاق الذين يلقبهم بـ "الحصاني" هم أبناء عمه الذين ينافسونه على الإمارة ولا هم لهم إلا إحباط خططه وإفشال مشاريعه. ولكن قد يكون المقصود بذلك أمراء بعض القرى المجاورة من بني تميم الذين خذلوه في شدته ولم يهبوا لمساعدته ضد خصومه. ومما يقوي هذا الظن أن رميزان هنا يرد على مشورة خاله بالتحالف مع أحد أمراء وادي حنيفة. وبعد ذلك يستطرد رميزان في مدح قومه ويشيد بشجاعتهم ويصف الحروب التي خاضوها لبناء السد. وفي القصيدة يعبر رميزان عن إعجابه ببلاده التي يسترسل في التغني بها ووصف محاسنها، فقد تحولت إلى حديقة غناء بعد أن وفر لها السد الماء اللازم لإحيائها. ثم يعود إلى مخاطبة جبر ليشكو إلىه من أقاربه الذين لا يدفنون الأحقاد ولا ينسونها ولا يكفون عن نبش الماضي وإثارة الحزازات والسعي بالوشاية. وفي آخر القصيدة يبوح رميزان لجبر بخطته في التعامل مع غرمائه الذين يقابلون إحسانه بالإساءة. فهو سيسلك معهم طريق السلم والمهادنة ما وسعه ذلك، على شرط أن لا يفسر ذلك على أنه خائف منهم. أما إذا تجاوزوا الحدود فإنه سوف يضطر للضرب عليهم بيد من حديد. ويختتم رميزان قصيدته ببعض الحكم الجميلة. ومغزاها أن القيادة والزعامة ليست، كما يظن غرماؤه، تركة يرثها الأبناء عن الآباء. إنها معادلة ذات شقين: أجداد كرام وقدرات ذاتية. ولا ينكر رميزان أن أجداد مناوئيه وآباءهم كانوا زعماء جديرين بالزعامة لكن ذراريهم لا تملك المؤهلات القيادية اللازمة للقيام بهذا الدور:

    01) خيار الليالي لذّةٍ في سعودها // وصفوة معاني كل الاشيا يكودها

    02) وخير الملا من فيه عزٍّ ورفعه // وجودٍ إلى قل الجدى من وجودها

    03) ولا شٍ سوى التقوى إلى صار تقيه // دون العدا لا قل منها وفودها

    04) ولا شٍ سوى التقوى إلى صار نعمه // الاجواد تستر عرضها من جهودها

    05) والاشيا بلا تقوى للانسان نفعها // قليلٍ إلى عاد الريا في رفودها

    06) قلته ولي عينٍ عن النوم ربما // يحصل لها عن نومها ما يذودها

    07) ونفسٍ تسلّى كل ما فات مطلب // بنافلةٍ لا بدّها من قصودها

    08) بالاجهاد في ميدان الانفال فانما // تفاوت الاشيا حين تبدي حمودها

    09) والاجهاد يعدى اللايمات وربما // عدى النفس عن نيل المعالي قعودها

    10) الاعلام تعدا روس الانضا ولو صفت // قلوب رجالٍ ما تدعها قرودها

    11) على مثل بيتٍ قيل في ماضيٍ مضى // والامثال من أمثال مما يقودها

    12) ياجبر ياراعي أمورٍ جليله // بها تتّقي شجعانها عن قرودها

    13) العام توعدني على الراس يافتى // راحة قلوبٍ راجفاتٍ لهودها

    14) لفاني ضحى امسٍ يابن سيار رسلك // من الشعر مدحاتٍ تفجّع نشودها

    15) تْهَيّض معانٍ يابن سيار تركها // أخير ولا من طايلٍ في نشودها

    16) ياجبر تشكي الملح واشكي رفاقه // أظن عدمه خير لي من وجودها

    17) بذرت الحساني بالحصاني وغرّني // مصافى الحصاني عن مصافى أسودها

    18) أبذر وتجزاني بنكرٍ وكلما // بذرت الحساني غرّني عن حصودها

    19) وكم بْذَرَت كفي بهم من صنيعه // وكم بذرت جداننا في جدودها

    20) وكم إشتكى منا المعادي بفعلنا // عليهم تعلوينا وهم من شهودها

    21) وكم قد حملنا ضيمهم واولمت بنا // علينا بحالاتٍ جراوي جهودها

    22) وكم درّعوا بأس الفتى فيه واتقوا // نواهل بها من عقب نفهة صدودها

    23) وكم دبّروا عنها وهي قد تلاحمت // يبور حاكي خزنها من نفودها

    24) وكم زلّةٍ يرفونها عند غيرنا // لى حدّثوهم صوب من لا يرودها

    25) تشب بنا وانحن ذراها وسترها // الاجواد ما تجعل ذراها وقودها

    26) وكم مجرمٍ نوريه عفوٍ ومغرم // نحمله وكم يومٍ غممنا حسودها

    27) تنزح بنا عند القصايا وتتقى // وبالبذل جزلين العطايا وسودها

    28) بلا منّةٍ منا عليها وتلتجي // لنا عند زومات العدا في ظهورها

    29) ولا زهقت منا سوانا قبيله // مناعير تسدي فالمعاني وفودها

    30) لنا الطمع القاصي جديدٍ ودارس // من الراس في عليا تميمٍ نسودها

    31) ولا طمحت همّاتنا صوب مطمع // يعيب ولا رمنا القصا في عهودها

    32) وان حل في شدّاتها عقد عمله // لقومٍ فلا يومٍ حَلَلْنا عهودها

    33) وكم منزلٍ مما يلي القوم مخطر // نزلنا بصبيانٍ رفاعٍ جدودها

    34) عنابرة من روس عمروٍ على القسا // تجود وبالشدّه قلاطي مدودها

    35) حمايل كم حملٍ ثقيلٍ حملته // عن الضيف أو عن جارها من فيودها

    36) ياجبر كم يامن عميلٍ بفعلنا // عنودٍ ومن قومٍ قصمنا عنودها

    37) ومن نادرٍ رام الثنا واوشلت به // الين بقى فيه الردى عن صعودها

    38) وكم حدّرت همّاتنا من قبيله // من المجد في حربٍ صلينا وقودها

    39) ولو يمنا قاد المعادي جريره // صبرنا وكم صوب المعادي نقودها

    40) وكم قومٍ الوى من ذرى روس لابه // بروس البلنزا قد وطينا حدودها

    41) لي ديرةٍ ياجبر مابيّة الحمى // عن الضد باطراف العوالى نذودها

    42) في القيظ مجلاسي على برد منشع // وان جا الشتا نارٍ تلظى وقودها

    43) حكرنا لها وادي سدير غصيبه // بسيوفنا اللى مرهفات حدودها

    44) جرى لنا في مقرن السيل وقعه // اللي حضرها ما لك الله يعودها

    45) برجالٍ امضى من ليوث الشرايع // سعيديةٍ تشبه ضراغم أسودها

    46) رْشيدان مع حمدان مع فارس الذي // ينسب منها وهو ليس من جدودها

    47) لكن عويل العجز باسفل شعيبنا // تقانب سباع مكملات عدودها

    48) الانجاس شبّوها والانذال قبسهم // والاجواد والمال المنمّى وقودها

    49) ياطول ما قابلتها فوق منشع // محّالها بالليل يِسْهر رقودها

    50) نغذي جناها بالشتا من سيولها // وبالقيظ من جَمّ البطاحي برودها

    51) الين بقت غبّاتها مستظلّه // يشوق تقديم القنا كادودها

    52) إلى صدّر اللامي والاجناب ورّدوا // على عيلمٍ بالقيظ يكثر ورودها

    53) لك عندنا فيها مقامٍ ولك بها // معاويض الاشيا من غوالي فْيودها

    54) فيالك منها يابن سيار ديره // وشيخانها لو تصتفي من حقودها

    55) ولكنها تتلي بقايا عداوه // جرين بها بيض الليالي وسودها

    56) وطاوعوا قول المهابيل واقتدوا // براي من هو من قداها عمودها

    57) ودارت أقاويل الوشايات بينهم // ومزقت اقوال العدا من جلودها

    58) وكم حدّروا جوٍّ لرجوى جريمه // لمن جهل في حرمانها هو وجودها

    59) وكم قلّبوا الاشيا بلا ما تشابهت // بزور الحكا حزانها مع نفودها

    60) فلا زلّةٍ يرضونها عند خير // ولو حدثت من صوب من لا يعودها

    61) فياجبر لو من حيلةٍ بالذي مضى // أحلنا محالاتٍ عرفنا سدودها

    62) ولكن على الأقدار تالي فعش بها // مع أهلها في حدرها أو صعودها

    63) لك الله ما قولي بِمِدْنٍ مخافه // ولا مطفيٍ نارٍ قليلٍ خمودها

    64) ندري بصفحٍ فانهم يعرفونني // إلى شِكَت اولاد الأمارا لهودها

    65) أبديت ما يبدي كداها تراوغت // وبالسلم قدّامي كثيرٍ بنودها

    66) ندرى عن الشحنا فلا من مطاول // تقوم مقام آثارنا في كبودها

    67) حمّلتهم حملٍ ثقيلٍ نقلته // عن الضيف مع جيرانها ما نقودها

    68) كله لعين اللي من الناس عنسا // حمر الشفايف ناقضاتٍ جعودها

    69) وقولك في وادي حنيفه متوج // وقومٍ لكم دون البرايا ودودها

    70) كما انك في طرق المراجل مجرّب // وحسن الثنا بالحال من لا يكودها

    71) والى ولي يذعن ذايه الحمى  // لو ينقلب وادى الحنيفي فهودها

    72) ياحيف ياشم العرانين خلّفوا // أراذل عميانٍ تبي من يقودها

    73) موت الفتى موتين موتٍ من الفنا // وموتٍ من اخلاف الذراري جْدودها

    74) ليت الذي حدر الثرى ظاهر الثرى // وليت الذي فوق الثرى في لحودها

    75) من مات ما ارّث في ذراريه مثله // فهو مثل نارٍ جِرّ عنها وقودها

    76) فان عشت في الدنيا غَنِيٍّ فانا لها // دما الضد بايامٍ تلافا قصودها

والبيت قبل الأخير يذكرنا ببيت الشاعر العربي القديم:

    أسكان بطن الأرض لو يقبل الفدا // فدينا وأعطيناكم ساكن الظهر

    فياليت من فيها عليها وليت من // عليها ثوى فيها مقيما إلى الحشر

والقصائد التي وجدناها لرميزان في المخطوطات تفوق من حيث الكم تلك التي وجدناها لجبر. والأرجح أن الكثير من شعر جبر مفقود لأنني وجدت لرميزان أربع قصائد يسندها على جبر ولم أعثر على رد جبر عليها. من هذه القصائد قصيدة يقدمها الناسخ في مخطوطة الذكير بقوله "مما قال رميزان بالدار يسندها على خاله". ويبدو من مضمونها أن رميزان قالها بعد أن استرد السلطة بمساعدة الشريف زيد. يبدأ رميزان قصيدته بمقدمة طللية ينتقل منها إلى مخاطبة الدار، أي البلد، التي كان يحل بها فيما مضى مع رجال ينتسبون إلى تميم وصفهم بالفروسية والشجاعة والكرم. وبعد أن يؤكد على حقهم القديم في إمارة البلد يقارن بين ما يتحلى به هو وجماعته الأدنين من صفات حميدة مقارنة بما يفتقر إليه خصومهم من مقومات الزعامة. ويشير إلى أن البلد لا تخلو من المناوئين الذين يتربصون به ويتحينون الفرصة للانقضاض عليه، بدلا من أن يضعوا أيديهم بيده ويكونوا عونا له في الذب عن الديرة وحماية مصالحها. وتقول القصيدة إنهم بتبنيهم هذا الموقف الخاطئ قد عزب عنهم رأيهم وفقدوا بصيرتهم مثلما يفقد الرجل الحديد النظر بصره نتيجة وقوع "السفا" في جفونه. ويختتم القصيدة بالتأكيد على العفة عما في يد الآخرين وأنها من أهم مقومات السيادة وأنه لا خير في سيد يجمع ثروته "سمونه" من فرض الإتاوات على من يلجأون إليه يطلبون حمايته، وهو ما يعبر عنه رميزان في قوله "باغي ذراها". والمكان الذي ينعته جبر في البيت الأول لم أتمكن من معرفته وتحديده وتكتبه معظم المصادر "ملقى الجويين" أو "ملقى الحويين" ما عدا مخطوطة الذكير التي يرد فيها مكتوبا "مفضى الجويقا" وهذه هي القراءة التي اعتمدتها لأنني قدرت أنه يكون هو نفس المكان الذي أشار إليه عثمان بن نحيط وسماه "مفضى الجويقا" في البيت السابع عشر من قصيدته التي وجهها لأخيه فايز والذي يقول فيه: مفضى الجويقا وما بين القارتين إلى// جزع الفقي حدها دار العرينات. يقول رميزان:

    01) ياجبر في مفضى الجويقا ولو بقت // وحاش المحاني مزمناتٍ دْمونها

    02) بالادماث فيما بين حرشا إلى النبا // من الحوف وما حدّر بنايا حصونها

    03) لنا وقفةٍ ترجى فهي غاية المنى // على دمنةٍ تأسى لناس يبونها

    04) فلما طلبنا شوف معمورة الجبا // وِرِدْنا على حوض المنايات دونها

    05) ومن ذاق حلواها ليالي سرورها // تهاون ما جا في ليالي غبونها

    06) كذلك وهي شفقا علينا كما انها // لها عادةٍ منا غيورٍ يصونها

    07) سقاها من الوسمي هماليل مزنه // وبالصيف من نو الثريا عيونها

    08) فياأيها الدار الذي كان قبل ذا // منازل لنا فيما مضى من زمونها

    09) مع لابةٍ فرسان هيجا، عن العدا // زبونٍ، وشرثات المواضي زبونها

    10) تميمية العزوة مزاريع باللقا // أهل شيمةٍ كل العلا من غصونها

    11) بلا زلّةٍ منا على الجار لو بقوا // قريبين الانوا من حذانا يجونها

    12) وفضل ندى منا على غير منّه // إلى عاش في رثّات الاشيا منونها

    13) عليتي فلو جا في زمانٍ خيانه // فللدار مني صاحبٍ ما يخونها

    14) يادار ياما فيك لي من مظنّه // ذوي ضعف الاريا مخلفينٍ ظنونها

    15) ومن نادرٍ لو قد علانا بخونه // ومن طالبٍ ثارٍ لنفسٍ يخونها

    16) كعينٍ حديدة شوف فيما ورا الشفا // وخان بها ذَرّ السفا في جفونها

    17) فهيني فلا عن مطلبٍ به مهونه // ولا الحظ إلا نيل الاشيا بهونها

    18) فكم بايعتني في رجا كل متعب // يدٍ من شبا شوك البلنزا ثمونها

    19) وكم حاولت بي شرّة الوجه مقفي // على تلفٍ من كل الاشيا زبونها

    20) وكم صبّرتني همتي عن دنيه // علي بها ترث الأعادي ديونها

    21) ومن عرض ذا الدنيا فكم عفت مطمع // عواقبها عازات ناسٍ يبونها

    22) على حاجةٍ مني لراعي تجاره // يبيعونها بيعٍ وهم ياهبونها

    23) فلا خير في سادات قومٍ من الثنا // جياعٍ معاليها شباعٍ بطونها

    24) ولا خير في نفسٍ ولا في مشيخه // إلى عاد من باغي ذراها سمونها

    25) فهذا شرا الدنيا بغبن وغبينه // فلا بئس إلا العار ما يشترونها

    26) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما لعى القمري بعالي غصونها

وتنفرد مخطوطة الذكير بإيراد هذه القصيدة التي يقدمها الناسخ بقوله "مما قال رميزان يسندها على جبر يتغزل". والقصيدة تبدأ فعلا بمقدمة غزلية لكن يتضح فيما بعد أن غرضها الأساسي هو الفخر والحكمة والفروسية:

    01) ياجبر عذّالٍ هنا يعذلونني // يلومونني قد سم حالي ملامها

    02) على غير بصرٍ ما دروا عن شكيّتي // ولا ذاقوا بْلاما ومرٍّ قسامها

    03) ولا كيف علاتي ولا قدّمت لهم // بلالحاظ في كاس الغواني مدامها

    04) أروني هوى ياجبر حتى توحّموا // ودال على حال القسيمي سمامها

    05) كتمت ولا فاد انكتامي وربما // تزايد علات الهوى بانكتامها

    06) وقمت على ساقٍ من الصبر مجهد // فلا نافعٍ صبري ولا بي قدامها

    07) ورمت عزاً ياجبر بالياس والرجا // وبالعزم من روحي فعَزّ اعتزامها

    08) فبحت ولا مثلي براعي شكيّه // إلىك ومبدا سُوّ حالي سلامها

    09) فلا عقب عنوان السلام على انني // تودّعت أيام الوداع اغتمامها

    10) على صاحبٍ لما ان رأى لام شملنا // تفرّق واستولى على الوصل لامها

    11) بكى مثل مفجوعٍ بلاماي وانطوى // على حالةٍ تنبي بضعفٍ علامها

    12) وجاد بعذبٍ من شفايا لكنما // غذا الروح من شمّاتها أو وشامها

    13) صخت به شنب لكن ياجبر كلما // مع المزح أقصى كف كفّي لثامها

    14) عليها لغيلانٍ تهايا مثايل // وعينٍ كما برق الغمام ابتسامها

    15) قليلة تطويل الخطى لو بقت به // دوا ما شفى سم المداوى كلامها

    16) وضعف حيا في قوّة لو رمت به // ادت صلاح صبتهن سهامها

    17) سقى دارها ياجبر واللي يمينها // وشرق ويسرى الدار واللي يمامها

    18) . . . . . . . . . . . . كل حينٍ الين ازت // يغنّي على روس الرواسي حمامها

    19) جزى ما بها ياجبر لو كان نوّنا // جفاها فحلواها قليلٍ دوامها

    20) لنا قد سرى يوم الوشايات بيننا // غرورٍ والاشيا في تناهي دوامها

    21) ومن عقب ذا ياجبر عنوان خاطري // معنّى ولا يغبا عليك اعتلامها

    22) طبيعة نفسٍ طلعها كل متعب // جليل جسيمات المعاني جسامها

    23) مورّثةٍ لي غير ما مستعاره // خلف سلفٍ ميراثها من قدامها

    24) فمنهن جزوى كل شيٍّ بمثله // فصيّورها ارواح تلاقي حمامها

    25) فجاز الجفا بالهجر والهجر بالجفا // ومغتنم أشيا كان عفنا اغتنامها

    26) وبالطيب يجزي بالحساني بمثلها // بطيبٍ من اوفى ذمّةٍ من ذمامها

    27) وبالحلم يجزى من حملها جهاله // بخطب من غيور . . . انسامها

    28) ونجزى وصيور ان الاعمال تنقضي // بالافعال والماضي لوالي زمامها

    29) ومنهن نرجي في علاها تصرّف // وفيها كما الماضين منا إمامها

    30) بغير عيا جارٍ ولو جَرّ مطمع // فلا كان مطموعٍ إلى جَرّ ذامها

    31) مر الصبر ما بالصبر ذقنا مراره // وبالذل فينا ظيم نفسٍ حمامها

    32) فلا يامن الجاني ذرى كل مجرم // وبيت الندى جملا تميمٍ حزامها

    33) وكم طلبة منا ينوبن مغوثه // إلى نابها خطبٍ كد اشتد عامها

    34) وصلوا على خير البرايا محمد // نبي الهدى أزكى قريشٍ إمامها

وهذه قصيدة أخرى لرميزان يسندها على جبر وموضوعها الشكوى والافتخار:

    01) ياجبر ما ينسى رفيقٍ رفيقه // إلى عاد منسوب الجدود عريق

    02) فإن كان هذيك الصداقات بيننا // بقين فللشكوى لديك طريق

    03) وشكوى من الدنيا بلا من نودّه // بشي ولي فيما حذاك رفيق

    04) وقلبٍ دنيفٍ يابن سيار لو بغى // سلوٍّ فمشغوف عزاه بريق

    05) هوى غير مبذول الغنى لصديقه // لعينيه فآزينا لذاك صديق

    06) وعتبه مقبول ولو داس زله // فياقط قلبي لا عليه يضيق

    07) يمرق فياوي في عفافٍ لكنه // دليلٍ على ما بالفواد وثيق

    08) هو في حيا لو كان ميدان سوقي // بعيد غدى ما بينهن غريق

    09) ولا من غلى عندي بشيٍّ يريده // ولو كان مما انا عليه شفيق

    10) هوى في عيا لولا ان ميدان شوقه // بعيد عزا ما بينهن غريق

    11) ومرٍّ بطرفٍ فاترٍ يستحقّه // على الوصل قل له ما حذاك زريق

    12) لعل بها ياجبر للعمر سلوه // عن الهم باشيا ما لهن مطيق

    13) ومن عقب ذا ياليت الايام تنثني // بعصر الصبا فانا بهن حقيق

    14) فكم صدعت الايام عزمي ولا نبا // عن المجد فيكم عاق فيه وعيق

    15) ومن واهجٍ في نار حربٍ صليته // على الزين في يومٍ فناه عليق

    16) وكم أعيت الهمّات مني ولا طفى // لظاها فما يطفي لهن حريق

    17) ومن ساعة هبّيت فيها لمطمع // وصار لطلاب النوال وسيق

    18) طبيعة نفسٍ جودها لي عفافه // كذا الجود من جود السوال رميق

    19) وكم شوّحت بي طربةٍ في تنوفه // بصحصاحةٍ قفر الجنوب حقيق

    20) لعهدٍ من الملفى وتجديد صدقه // ومن سعةٍ صرنا إلىه وضيق

    21) وكم ملت باب سد في مشوره // وبي صار مملوك الرجال عتيق

    22) وكم وجدوا المقصود مني وكم حلا // نباي إلى مَرّ الحديث وريق

    23) وكم شهد لي في موكبٍ أنني له // وفيت إلى خِين العميل وبيق

    24) بذا شهد لي ياجبر وانا أفيدك // بنا مثل للمحترين سريق

    25) إذا ما غدى الجيل الذي أنت خابر // وعدت مع جيلٍ غديت فريق

    26) وانا كلما جدّدت درعٍ لملبس // إلى حلق الدرع القديم سحيق

    27) وصلوا على خير البرايا محمد // نبيٍّ لنا يوم الحساب شفيق

ويغلب على القصيدة التالية التي يوجهها رميزان إلى جبر طابع التشاؤم ومن الواضح أن رميزان قالها وهو يعيش حالة نفسية يسودها الإحباط والكآبة. تبدأ القصيدة بمقدمة غزلية نهايتها غير سعيدة إذ تنتهي بالتشتت والصرم والفراق. ولا أدري ما المقصود بقوله في البيت الخامس عشر أنه أخذ مع حبيبه ألفين وثلاثمائة يوم، أي ما يزيد على ست سنوات. وأكاد أجزم بأن حديثه هنا عن الوصل مع المحبوب يرمز إلى هدف آخر كأن يكون المقصود بفراق الحبيب فقدان الإمارة أو ضعف السلطة أو ما شابه ذلك. وبعد المقدمة الغزلية يبدأ رميزان بنثر الحكم والتفكر في أحوال الناس من حوله مما يدل على خيبة أمله فيهم وفقدان الثقة بالجميع. بعد ذلك يتوجه بالخطاب إلى جبر مؤكدا على نفس المعاني السابقة ويشير إلى انقلاب الموازين حتى أصبحت الأرانب تفرس الأسود وبغاث الطير مقدمة على أحرارها. ونستشف من البيت السابع والأربعين أن القصيدة قيلت ردا على قصيدة سابقة بعث بها جبر لرميزان:

    01) مغير غراب البين ناعٍ وناعق // وصرف النيا بين المحبين فارق

    02) قضى به من يملك من الناس ما يشا // ومن له حكمٍ في براياه سابق

    03) وتقدير تدبير الموازين رميها // مصيبٍ ولا ينجيك عنها المدارق

    04) رمتني بغاراتٍ سكاكين جندها // لها في حشا لاجي فؤادي تخافق

    05) وجاشت بصدري عبرةٍ ما أحيلها // وصاب الحشا من شدة الوجد خانق

    06) إلى عَنّ في بالي ليالٍ طرايف // لنا السعد والإقبال منها موافق

    07) فرشنا بها زوليّةٍ من زمرّد // ومن رفرف الديباج مركى المرافق

    08) بها أكْلنا وصلٍ هنيٍّ وشربنا // كما السكر الممزوج من ما التعانق

    09) أنا وخليلٍ يخجل الشمس خده // إلى لِبِس من فوق الشنوف العشارق

    10) يفوق ويغشى كوكب البدر نوره // من اجمل من في غربها والمشارق

    11) إلى ما بغى يسبى فوادي ومهجتيو // ينباج صدري ثم اجي له ملابق

    12) تبسم عن غرٍ عذابٍ ولج بي // نظيرين نجلٍ مغزلاتٍ لهامق

    13) بها سحر هاروتٍ وماروت بينها // سهامٍ غرام الموت للحي ماحق

    14) ما قط يومٍ ياخذ النوم جفني // إلا وصدري في تراقيه لابق

    15) أخذنا كذا ألفين يومٍ وزودها // ثلاث مية يومٍ ولا نيب زاهق

    16) فما نلت انا منهن حتى تجمهرن // ونلنا من الدنيا ليالٍ دغارق

    17) تشتتنا حتى بقى الكل مصرم // كعبدٍ عن المولى إلى الدو آبق

    18) ولا باقيٍ حيٍّ سوى الله والورى // لهم صارمٍ يجري به الدهر ماحق

    19) ولا غايب من طارش الموت يرتجى // ولا عايشٍ إلا له البين طارق

    20) ولا راس مالٍ ما سوى الدين والتقى // واترك جدى الدنيا مع اللي ترافق

    21) وتسريح هم القلب عن كل مشغل // ومشيك بقسطٍ في معانيك رافق

    22) والابعاد عن كل جورٍ وظالم // وحذراك من جيل خباث المناطق

    23) خباثٍ مساعيها قليلٍ حصيلها // كثيرٍ بها البغضا حسودٍ زنادق

    24) وعيّارةٍ غيّارةٍ قِلّبيّه // وجيهيّةٍ تبّاعةٍ للقالق

    25) فما دام في كفّيك شيٍّ من الغنى // ينالون فضلٍ منك به فانت نافق

    26) يمدّون بك لآمال فان مال أو عثر // بك الدهر أو أمسى بك البين صافق

    27) جفوك ولا عاضوك إلا شماته // ولا نلت من قول الملا الا شبارق

    28) وكم واحدٍ ترجي به الطيب والصخا // لبيبٍ لك اصفى من صفاح الميالق

    29) ياصف طريق الما ويهوى لك الظما // وهو مثل طارود الطوير المسالق

    30) يصفصف لك اشيا من شفا جرف غيّه // ويفرح إلى هفّيت بالبير زالق

    31) رخيٍّ رقاق الحكي مخفي عداوه // بسدّك إلى ضدٍّ تعاديه سارق

    32) ويوريك بالتاريخ شٍ غير ضايل // كلال الضحى يدني الظما بالتبارق

    33) فَلِيّاك يامامون قلبي تطيعه // فكم مات في بحر العماهيج غارق

    34) فلا عاد في ذا الجيل تبدي نصيحه // إلا لمن هو لك صديقٍ مشافق

    35) تعمل به الحسنى ويجزاك ضده // وربّة سبب بلواك مِن مَن ترافق

    36) كفعل زليخا بابن يعقوب يوسف // كما رمي بالبلوى وهو غير فاسق

    37) وما قد مضى يكفيك عن زجر ما بقى // إلى صرت من ذات القلوب الحواذق

    38) فقم أيها الغادي على عيدهيه // تبوج دياميم الحزوم المهارق

    39) مكلّفةٍ قودا تباري ظلالها // زعولٍ أمونٍ ما تداني المساوق

    40) لكن تحويها ومومي جلالها // طفوحٍ على الجنبين هي والمعالق

    41) سفينة موجٍ زجّها الريح وانتحت // مطاوعةٍ موجاتها بالصعافق

    42) إلى سرت من وادي سديرٍ ميمّم // تبى الوشم واجتزت الجبال الشواهق

    43) فدع طعس رمحينٍ يمينٍ مهايف // إلى من له الجودا جديدٍ وسابق

    44) خيار الأمم لا من ذرى روس لابه // وفاة الذمم سقم العدا والدهالق

    45) ذرى غصن هباس اكرم الناس بالذرى // ومنهم قلوب الناس وجلا خوافق

    46) فعمهم التسليم مني وخص لي // أبا شتوي ملفى نبا كل حاذق

    47) وقل له لفاني منك قيل لعله // برد القضا ياجبر لي منك لاحق

    48) تعزاة قلبٍ يابن سيّار موجع // أخا حرقةٍ من فقد خل مفارق

    49) وعقبه فما لي في زماني طرابه // ولا ناب لاقٍ لي صديقٍ مصادق

    50) أنا عشت مع جيلٍ ولا طعت رايهم // مهاييف رقراقٍ وفيها مغارق

    51) وقد شفت فرخ الحر ياجبر بينهم // فريسه لصرّاخ الحدا والبواشق

    52) الآساد في غاباتها مستذلّه // ومستذيباتٍ بِرْقها والخرانق

    53) فلو لي يدٍ بالبوق والكذب والحيل // وتنجيل بوقات العفون المسارق

    54) لألفيتني ياجبر فيهم مقدّم // ميزمّونني للركب فوق المعارق

    55) ولكن أرى المحراب خدني ومجلسي // وقلبي لربي طول الايام عاشق

    56) له الحمد مني كل ما الريح ذعذعت // كما انه رفع قدري ولعْداي ماحق

    57) هو الواحد اللي قدّر الموت والفنا // ومن عاش في الدنيا له الله رازق

    58) ودم وابق في سعدٍ وحالٍ جميله // ولا زلت في مخضرّ الانعام واثق

    59) وصلوا على سيد البرايا محمد // عدد ما أضا برقٍ وما ذَرّ شارق

وإلى هذا الحد نكون قد أتينا على جميع مراسلات جبر مع رميزان وكل ما هو مدون في المخطوطات من شعر رميزان؛ ويبقى شيء من شعر جبر ومراسلاته مع شعراء آخرين وهذا ما سنكرس له بقية هذا الفصل. وكما ذكرنا فقد عمر جبر بعد رميزان لكنه في آخر أيامه ساءت أحواله وكف بصره وافتقر واضطر إلى الاستجداء. وقد صور ما آلت إليه حاله في الكبر في قصيدة على البحر المتدارك أرسلها إلى ابن دواس، الذي لا نعرف من يكون بالتحديد، يشكو إليه فيها من الشيب وما يؤول إلىه الإنسان إذا كبر سنه وقل قدره عند الناس. تقول القصيدة:

    01) باح قلبي من السد مكنونه // واضح الشيب ودّي تحنّونه

    02) لو من الزاج صبغٍ فيا واسفا // الصبى بالقضا حيل من دونه

    03) حط بالرجل قيدٍ وبالركبتين // كل يومٍ يدهنٍ بعاجونه

    04) والظهر قاسيٍ وان تمجلس معه // معشرٍ في قيامه يعينونه

    05) والعصا ثالثٍ للمواطي بها // يقتدي من بدا الثقل بجفونه

    06) صاح في ما مضى ثم دَزّ الجموع // والعوارض بها كيف تخفونه

    07) مبتدا الشيب عيبٍ يجي بالعضا // جملة البيض عمدا يحقرونه

    08) خافض القدر لو كان قدره رفيع // بالرضا والغضب ما يدارونه

    09) يفرسونه جميعٍ وقدره وضيع // يحسب انه على الحال ذا فنونه

    10) ما درى ان المداراة لاجل القماش // ترب كفّه له الموت يدعونه

    11) صار قدره رخيصٍ وعقله نقيص // مثل شنٍّ على الجال يرمونه

    12) يشتهون العوض في صْبيٍّ غرير // امردٍ يقطع القيد بقيونه

    13) لو بقى انه شرودٍ سواة القعود // فالعذارا على العود يغلونه

    14) يدرع المال شلعٍ وملعٍ جهار // والعلايق بما جاز مرهونه

    15) تجرته تلعب البيض بلفافها // جثّةٍ في ثرى القبر مدفونه

    16) ترك شايبك والكل أزله مريب // آه من له جلالٍ يعرفونه

    17) يابن دوّاس واحلو عصر الشباب // يوم حنا بمشاحيه وزْمونه

    18) كم بها يابن دوّاس نلت المراد // مع كَعابٍ من البيض مزيونه

    19) طيبها العود والمسك ريحٍ بها // يابن دوّاس بالبيت مصيونه

    20) واحلو عصرنا ذاك ياليتنا // ناجده بالمسامه يسومونه

    21) عند عبدالله الشيخ جزل النوال // مفخره بالعلى ما يساوونه

    22) وادعي المطّرق بيني وبينه جهار // والوهد بيننا ما يخربونه

    23) نحمد الله بنا من خصال المسيح // خصلةٍ بفهم الرمز مضمونه

    24) عارفٍ منزلي في زمان المشيب // ليت عصر الصبى كان يثنونه

    25) ثم صلوا على سيّد المرسلين // ما حدى حادي العيس بلحونه

ورد ابن دواس على جبر بقوله:

    01) مبتدا رسم الابيات مسنونه // واجبٍ عند مثلي يعرفونه

    02) يابن سيار جا منك رسمٍ شديد // شٍ يبيّح من السد مكنونه

    03) نظم دِرٍّ مفيدٍ لمن // شاف ما لاح للغير بعيونه

    04) ثم حيّيت رسمه عدد ما همى // وابلٍ والعج البرق بمزونه

    05) أو كسا الخد نبتٍ وما لعلعت // كل ورقا على الدوح بغصونه

    06) أو حدا بالمطايا لبيت العتيق // كل فَجٍّ خْلِيٍّ يبوجونه

    07) رسلةٍ من صديقٍ حفيٍّ بها // شاهدٍ ما بغيره يقيسونه

    08) كم فرحنا بزوله بغير احتقار // لى زهد هافي الجد بخدونه

    09) صاحبٍ عندنا له مقامٍ رفيع // كل ربعه إلى جا يخدمونه

    10) صاحبٍ عاف الاوطان جانا يسير // بالمحبّه وقومه يعذلونه

    11) يشكي الشيب والشيب فيه افتخار // مع وقارٍ هل الدين ينبونه

    12) ان ثواب المشيب يانجيب أديب // قسمة الشيب بالعز مضمونه

    13) فانت كن عارفٍ لا فجاك الزمان // إن شيمتك بالعمر مصيونه

    14) لو بقى فيك شيبٍ فلا فيك عيب // عندنا غاية القصد مضمونه

    15) فاعتبر يابن سيار فيمن مضى // بالزمان الذي راح وقرونه

    16) والمقدم حسن نسل سيد حسن // واجودٍ وابن داغر يعدّونه

    17) كلهم ذمّوا الشيب دع ذا بعد // وابن غشّام خِدْنِك يقولونه

    18) والتميمي بوادي حنيفه شقى // مثل ما شفت ياجبر بفنونه

    19) انكر الشيب ياجبر ساعة دهاه // شاف وانّي عياله يَحَقْرونه

    20) ثم عوّد يثاري وهو ما ينوض // لو بغى يقوم دنّوا يزمّونه

    21) لو عصور الصبى تشترى بالألوف // أو تحقّق بسومٍ يبيعونه

    22) اشتريناه ياجبر فيما عناك // لو بالاكراه ربعك يجيبونه

    23) وان ذكرت الدوا في محلٍّ بعيد // أو تظن الأطبا يداوونه

    24) لو يقال انه ورا الهند جبناه حوش // ما اتوقف عن امر تريدونه

    25) ذا مضى يابن سيّار واقر السلام // صوب من كل الآمال من دونه

    26) منوة الضيف عمّي غزير الجفان // والمراميل بالعسر يرجونه

    27) باش الوجه عبدالله ان غرّزت // غِرّ الابكار كالعد يردونه

    28) اريحيٍّ لطيفٍ وسيف الوغى // واضحٍ باللقى وقْع مسنونه

    29) نعم ملفىً لمثلك إلى ما دهاك // خطبٍ أو نابك امرٍ تدارونه

    30) وابق واسلم وعش في ذرى خيّر // واعلم ان الأجاويد مغبونه

    31) ثم صلى إلهي على المصطفى // عدّة الرمل نثره ومازونه

وقد نستشف من البيت العاشر أن جبراً كان قد ترك ديرته القصب والتجأ إلى جماعة ابن دواس. وفي آخر القصيدة يمتدح ابن دواس شخصا اسمه عبدالله كان على ما يبدو قد وفر الملجأ والمأوى المناسب لجبر. ومن باب تقديم العزاء لجبر وحثه على الصبر وأخذ العبرة من مصائر الآخرين يذكره ابن دواس بالتميمي من أهالي وادي حنيفة الذي "شقى" لما كبر سنه ورأى حتى أولاده يحتقرونه. ومع الأسف أننا لا نعرف من هذا التميمي الذي يضرب به ابن دواس المثل. كما لا نعرف ابن داغر وحسن نسل السيد حسن اللذين ذكرهما ابن دواس في أبياته. ولو تفحصنا شعر رميزان وجبر وغيرهما من شعراء تلك الحقب لوجدناها تحتوي على أسماء كثيرة، تاريخية وأسطورية، اندثرت ولم نعد نعرف عنها شيئا، مثل قول رميزان يعدد شهداء الغرام:

    عَيّنت هند وبشر كيف جرى لهم // وحكاية المقداد والميّاس

    ورْميح والسفّاف هو وفريسن // وحسن شوق مقدّم النعاس

ومثل قول جبر:

    فقبلك بشرٍ والمعنّى وزايد // وعروة والسفّاف يرثى مخايله

وتعداد شهداء الغرام والاعتبار بمصائرهم تقليد درج عليه الشعراء، سواء شعراء النبط أو شعراء الفصحى، كما في قول جميل بثينة:

    قد مات قبلي أخو نهد وصاحبه // مرقش واشتفى من عروة الكمد

ويورد ابن عقيل في كتابه كيف يموت العشاق (1418: 15-16) أمثلة أخرى من الشعر الفصيح على هذا النمط. ومن شواهد الشعر النبطي قول ساكر الخمشي:

    نمرٍ على وضحا قصيده شْهوده // ومن قبلنا عيّنت عليا وابا زيد

    ولد الخفاجي راح وامه تذوده // خذنّ قلبه بالمنى والتواعيد

ونجد في قصيدة جبر التي وجهها لابن دواس بدايات الشعر الساخر الذي طوره فيما بعد حميدان الشويعر. كما طور حميدان النقد السياسي والاجتماعي الذي نلاحظ بداياته عند جبر، وخصوصا في مقدمة القصيدة التي يرد بها على شخص دعاه في البيت الثالث من قصيدته ابن مانع ونسبه في البيتين الرابع والخامس إلى "جثمان عمرو" من تميم. وكان ابن مانع هذا قد سبق وأن بعث لجبر قصيدة يعزيه فيها بفقدان بصره. ويذكر الربيعي وابن يحيى والعمري أن قصيدة الرد التي قالها جبر كانت موجهة إلى شخص اسمه سعود بن مانع. ويؤيد صحة الاسم أن مخطوطة الدخيل التي تنفرد بإيراد قصيدة التعزية تنسبها إلى سعود بن مانع. وهذه المصادر لا ترفع النسب إلى أبعد من الأب عدا الحاتم (1981، ج1:134) الذي يقول في مقدمته لقصيدة جبر إن الشخص المعني هو سعود بن مانع بن نحيط أمير حوطة سدير وأن جبراً أرسل القصيدة له سنة 1110. لكن مصادر التاريخ المتوفرة لنا لا تذكر شخصا من آل نحيط بهذا الاسم، كما أن المعروف أن آل نحيط أمراء الحصون وصبحاء "قارة سدير"، لا الحوطة كما يقول الحاتم. ترى من يكون إذاً سعود بن مانع؟ هذا السؤال سبق وأن طرحه الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل في بحث له مختصر (ابن عقيل 1415:227-231). ولا بد لنا هنا من الرجوع إلى المصادر التاريخية لتلمس الحقيقة.

تذكر مصادر التاريخ المحلية، مثل الفاخري وابن بشر وابن عيسى ومقبل الذكير وتحفة المشتاق لابن بسام، أن أمير صبحا مانع بن عثمان بن عبدالرحمن آل حديثة (الحديثي) تغلب على آل تميّم أمراء الحصون من بني خالد وانتزع منهم إمارة الحصون القريبة من صبحا عام 1041 هـ. وكانت الحصون أساسا تابعة لأمير صبحا قبل أن يطلب منه آل تميّم غرسها عام 1015 فوافقهم على ذلك. وفي عام 1084هـ تمكن آل تميّم بمساعدة رئيس جلاجل من استرداد إمارتهم وطردوا مانع بن عثمان الحديثي من الحصون. وأعاد مانع الكرة على آل تميّم في محاولة منه لاسترداد إمارة الحصون منهم لكن المحاولة فشلت. على إثر ذلك هاجر مانع في عام 1086هـ من قارة سدير (صبحا) إلى الأحساء واصطحب معه ذويه ومنهم ابنه سعود بن مانع وحفيده عثمان بن نحيط الذي قتل آل تميّم أباه نحيط بن مانع، وهذه أول مرة يرد الاسم نحيط في تسلسل هذا النسب الذي أصبح فيما بعد ينتمي إليه آل نحيط. وفي عام 1110هـ هاجم آل مدلج من بني وائل أهل التويم بلد الحصون وأخرجوا منه آل تميّم. وأقبل عثمان بن نحيط من الأحساء وتولى إمارة الحصون. وابناه سعود بن عثمان ومانع بن عثمان هما اللذان يشير حميدان الشويعر إلى أنهما قبضا على أبيهما عثمان وأخرجاه من الحصون بتدبير من رئيس جلاجل.

هذا يعني أن الشخص الوحيد من آل حديثة الذي ينطبق عليه الاسم سعود بن مانع، وفق مصادر التاريخ، ليس سعود بن مانع بن نحيط، كما توهم الحاتم، إذ لا يوجد شخص بهذا الاسم، وإنما هو أخو نحيط، سعود بن مانع بن عثمان بن عبدالرحمن آل حديثة. ومن التواريخ التي أوردناها آنفا يتضح لنا أن سعود بن مانع، أخو نحيط، كان معاصرا لجبر مما يقوي الاحتمال، وإن لم يؤكد قطعيا، أنه هو الذي قارضه جبر. والدخيل، كما سبقت الإشارة، هو المصدر الوحيد الذي يورد القصيدة ونسخها رديء وغير مقروء في بعض الأماكن. ومنها قوله:

    01) . . . . . . . . . . . . ولى يابن سيار زايره // وحقٍّ لتصديع العمى في نظايره

    02) . . . . . . . . . . . . منك يامن مشامه // رفيع جسيمات المعاني سرايره

    03) بعيد مجال الطلع في مطلب العلا // كليلٍ عن الحاظ الردى في قصايره

    04) وليت نظيري يابن سيار ما انجلى // لو به لِدِيٍّ للعمى فيك صايره

    05) فدىً لنظيريك الذي غيل نورها // فربك جزلات العطايا شعايره

    06) وليت حطام المال فيما يشا الفتى // عن الحال يَلْدى كان سهلٍ خسايره

    07) لكنت ازيل النظر من عين خير // معانده لامرٍ من الله جايره

    08) ولكنني لو قلت ما قلت ما جلا // أسى دمعة اعلامٍ لدى الحجر سايره

    09) على القلب منها يابن سيار زفره // مراجلها من بين الاوداج فايره

    10) على منك ما بان الأذى فيه مثلما // ومنه عزا مثلي بنارٍ ضمايره

    11) ومن قبل فيّاضٍ بالاعلام موهم // وذا الآن يذكى من غرامي سعايره

    12) وباشرني عقب انتجاعي من الأسى // ونارٍ على قلبي من الوجد نايره

    13) ضحى قيل لي ياجبر قد باشر العمى // نظيريك فاضحت فكرة الراي حايره

    14) فقلت وقلبي عن لظى الهم كنه // قمار يزاح من الكير فايره

    15) وقلت عسى لو ضدك الله تاره // عسى يخلف ما قد غدى من ذخايره

    16) بعفوٍ وغفرانٍ وتقريب توبه // وقضّيت آمال الرجا غير بايره

    17) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما سعى ساعٍ وما زار زايره

يبدأ جبر رده على سعود بن مانع بمقدمة جزلة ثم يبدأ يستعرض أمامنا شرائح متفاوتة من الآفات السياسية والاجتماعية التي كان يعاني منها عصره، من ظلم الحكام إلى غش الجزارين والبنائين. ويشير جبر في البيت التاسع عشر إلى أن ظاهرة شرب الدخان "الكيف" كانت قد بدأت تنتشر في نجد منذ ذلك الزمن:

    01) الآفات تجري والمقادير صايره // نياشينها اجسادٍ للاجداث زايره

    02) وكلٍّ على ما دبّر الله والفتى // يظام إلى قَلّت حمايا عشايره

    03) فقلت لمنتوب الجدود ابن مانع // رفيع الثنا وازكى تميمٍ سرايره

    04) إلى عِدّت انساب العرب فانت فخرهم // بتميمٍ وبالجودا طوالٍ شبايره

    05) هم الراس من جثمان عمروٍ وغيرهم // إلى نتبت الآصال فانتم مفاخره

    06) هل الباس والحرب العوان الذي به // يبين إلى جر المعادي جرايره

    07) لفى منك مكتوبٍ وترثى لواحظ // غدى نورها ياشمعة الجود غايره

    08) فديتك اللي من ورا الهند بالمنى // ورا الصين مقلوع النيا في جزايره

    09) لك الله ما في عصرنا ذا شِفِيّه // مع كل هلباجٍ ينمّي تجايره

    10) غليظٍ جبانٍ عابس الوجه مظلم // قليلٍ به التقوى هيامٍ حفايره

    11) كثير الحكايا بالأجاويد راتع // أجل عنك لَحّت في زنودي مرايره

    12) وكل كبير التاج فسلٍ مْطَوّع // خبيثٍ إلى كِشف الغطا عن سرايره

    13) كما الديك برّاق الجناحين مكحل // يرى الطوع في شالٍ على الراس كايره

    14) يطالع في كتب التسانيد معرض // عن الفهم ما ياعض لنفسه نظايره

    15) وشيخانٍ ان فكّرت فيها لكنها // ثعالب طرفا تفسد الملك جايره

    16) إن جيت تبغي نفعها جاك ضرّها // جهارٍ وفيهم نيّة الخير بايره

    17) مفاخيرهم فَرْشٍ وغَرْسٍ وملبس // ومباخرٍ ياحازم الراي ثايره

    18) ترى كسبهم ظلم الرعايا وطبعهم // يدلّك عليه ان مات تشبح بصايره

    19) وبالناس جرثومٍ تولّعت بغضه // ملاحظه من شِرْبة الكيف طايره

    20) كذوبٍ شموخٍ أزهر العين وثبته // ربيب المواقد مجحرٍ في حضايره

    21) وكل اعرابيٍّ دنوعٍ مكهكه // هْباله تْغاره والمسافيه بايره

    22) فلا واوجعي من كل قَطْوٍ مْسَلَّط // على الجار في أخذ القضا من خسايره

    23) لكن رعاة الملك عندي حقيقه // تِنِبّي سجاحٍ بين الاكياس خايره

    24) تمنّيت لي في وسط الاجداث منزل // أو الصين مقلوع النيا في ودايره

    25) ولا عيشتي مع كل فدّام قريه // أخا الجهل مسلوب الحيا عن مصايره

    26) إلى ضاف شره وبالمواجيب معرض // عن الضيف كنّك بالملازيم ذايره

    27) وكل ستادٍ يرفض الشغل نصحه // من الغش ممزوجٍ خباثٍ سرايره

    28) مع كل قصابٍ سروقٍ معتّق // على المكر حلافٍ عَثى في نحايره

    29) وانا اقول هذا العلم وانا مقصّر // عن الحق من قبل المناقيد عابره

    30) نظرت لدى الركن اليماني خريده // مطالعه في ملزم الحجر كايره

    31) تطوف وتستلم اليماني وكبّرت // لها دمعةٍ خوف اللظى من سعايره

    32) لها عين إدميٍّ شقى كل عاشق // لقتلي على غير الملازيم دايره

    33) لِمِسْتَه وقد اولجت كتفي بكتفها // وفاح علَيّ المسك من ما غدايره

    34) أسباب ذا صار العمى لي عقوبه // فكم نظرةٍ صار العمى في نظايره

    35) فانا على ما بي ترى يابن مانع // وكل فتىً يعطي الجزا من مسايره

    36) وصلوا على خير البرايا محمد // عدد ما سمر برقٍ وما سار سايره

ويعود جبر مرة ثانية في قصيدة أخرى بعث بها إلى محمد بن عيسى إلى تأكيد القصة التي ذكرها في نهاية القصيدة السابقة. وهي قصته مع المرأة الجميلة التي كانت تطوف بالحرم فلما وقع بصره عليها فُتن بها وسحره جمالها فلم يستطع مقاومة الرغبة في لمسها مما دفعها إلى أن تدعو عليه بالعمى فاستجاب الله دعاءها، وكان هذا هو سبب فقدانه لبصره. وعلى الرغم مما يبدو لأول وهلة وكأنه تسجيل أمين لحادث وقع فعلا إلا أنه لا تزال هناك إمكانية نوع آخر من الفهم والتفسير. كأن تكون القصة مسرحية شعرية اخترعها خيال جبر مثل مسرحيته التي سبق أن مرت بنا في حديثه عن الحسناوات اللائي قابلهن عند الغدير. تراجيديا اخترعها جبر ولعب فيها دور البطولة. وللشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل رأي في هذا الموضوع عبر عنه في كتابه كيف يموت العشاق ويستحسن إيراده هنا. يقول أبو عبدالرحمن "ومسألة الالتقاء في الطواف مما تظرف به العشاق والرواة كما في شعر عمر بن أبي ربيعة، وجبر بن سيار، وبصري الوضيحي." (ابن عقيل 1418: 312). والأرجح أن تقدم السن كان المسؤول الأول عن فقدان جبر لبصره، ولا أدري من هو محمد بن عيسى الذي وجه له جبر القصيدة التالية. لكنه في وصفه للطريق لمندوبه يأخذه إلى وادي برك جنوب العارض، ويدعو جماعته "عثامنة" أي من ينتسبون إلى جد لهم اسمه عثمان. ويرى الشيخ محمد بن حمد الماضي أن المقصود في قصيدة جبر أحد أعيان آل عايذ الذين كانت لهم السيادة انذاك على المنطقة الممتدة من الخرج حتى ما يسمى الآن حوطة بني تميم. وفي إحدى جلساتي مع المرحوم عبدالرحمن الربيعي ذكر لي أن ابن عيسى كان أمير ليلى والبديع. والقصيدة عجيبة تدل على مهارة جبر في نسج الكلام وتجويده لكل معنى يطرقه من الحماسة إلى الحكمة إلى وصف الناقة إلى المدح إلى الترجي والاستعطاف. والحكمة عند جبر ومن بعده عند حميدان، تتجلى في رسم شخصيات نموذجية ومشاهد كاريكاتيرية من الواقع الاجتماعي والسياسي في ذلك العصر. ويلاحظ في هذه القصيدة أن جبراً، أمير بلدة القصب، يبدأ بتصويب سهام نقده إلى أمراء ومشائخ القرى والبلدان المحيطة به، وكأنه بذلك يتخلى عن دوره كأمير وينسلخ من زمرة الشيوخ والأمراء لينظر إليهم من زاوية الشاعر الناقد الذي يريد التنبيه إلى الخطأ للابتعاد عنه وإنقاذ البلاد من شرور الظلم والفساد. ولاستكمال تفاصيل الصورة وتأكيد دوره كشاعر ينهي جبر قصيدته بالاستجداء، تماما كما يفعل شعراء المدح المحترفون. ومن الواضح أن جبراً قال هذه القصيدة بعدما كبر سنه وساءت حاله وضاقت به بلده القصب وفقد فيها مكانته الاجتماعية ومركزه السياسي ولم يبق في يده شيء من الثروة مما اضطره إلى طلب الرفد من ابن عيسى واللجوء عنده:

    01) فتوق الهواري بالمعادي وثورها // وحد القنا يِقْعِد صغاها وزورها

    02) وشعث النضا يبدي كِدى الضد وقعها // إلى هدلقوا فرسانها في ظهورها

    03) إلى ما ارجفت دار المعادي تهزهزت // قلوب العدا هابت مخافة شرورها

    04) والى صدّرت من موضع الحرب خلّفت // صفوفٍ وقايعها الحدا مع نْسورها

    05) واصبر على الدنيا ولو لك تقلّطت // فالراي صبرك حين يبدي عثورها

    06) وصبرٍ على زلات الاصحاب طوله // فلا يدرك الطولات إلا صبورها

    07) رفيقك ولو جافاك يومٍ تِعِمّد // فهو عند زومات العدا في نحورها

    08) لو شان وجهه يجلي الغيض بالرضا // من الحلم صفّاح الجنايا غفورها

    09) فلا خير في شيخٍ إلى عاد طلعه // قريبٍ وملاق الحكايا هذورها

    10) راعي سياساتٍ بالادنين باطش // والاضداد في بلدانها ما يذورها

    11) من الغش ممزوجٍ وبالوجه باسم // أخا منجلٍ حزّات الاقفا عقورها

    12) هذاك كالدا باطنيٍّ وظاهر // مقامه ولو نال العلا في حدورها

    13) قم أيها الغادي على عيدهيه // تبوج دياديم الفيافي مرورها

    14) إلى روّحت من بين الارعان خلّفت // سرابٍ غطا روس الروابي وقورها

    15) تبوج بضبعيها الزيازي لكنها // سبرتات رِبْدٍ رُوّعت في قفورها

    16) لكن انتحاها جالبوتٍ يزجّها // ولامٍ يقرّب نازح الما خطورها

    17) علا في قراها صاحب الراي والذكا // كما الحر وَذْفٍ في مصاليب كورها

    18) عليها عياضيٍّ بالاقناب مغرم // بحلو القريض الى تعلى ظهورها

    19) إلى طوّحت حذف الخطى في تنوفه // سوا عندها حِزّانها من وعورها

    20) سرها ودع ضلع الحنيفي مجنّب // يسار ومن ضرما يمين قصورها

    21) إلى سرت من دار ابن سيّار قاصد // يْقَرِّبْك من دار ابن عيسى نشورها

    22) واضرب على بِرْكٍ وتلفي جماعه // متساويه بدوانها مع حضورها

    23) هل الباس والحرب العوان الذي له // جراير تنعى بالمنايا طيورها

    24) معكّفة ارقاب السبايا ضحى الوغى // إلى همّلت عسمان الايدي سيورها

    25) عثامنة كم أوهنوا من قبيله // بالاوطان جزواه الثنا من شكورها

    26) بلّغهم التسليم مني وخِصّ لي // قداها ومصطلي اللظى من شبورها

    27) ومن له بأعياز المعاني بصيره // من الحلم كنه فاتحٍ من صدورها

    28) ومن له زلبات السبايا على القسا // عطايا وبالاقفا حماها وسورها

    29) ومن له عندي بالقواصي مودّه // على البعد يبرز فكرها من حبورها

    30) أبا جاسمٍ عيد الهجافا محمد // سلامٍ حميد لمنتهاها وسورها

    31) ومن عقب ذا يامنتهى السد والذي // عطاياه من حمر المتالي وخورها

    32) ترى الوقت ما يصفي لْحَيٍّ بعهده // يصفي ولكنه سريعٍ غدورها

    33) غدا الشوف مني يابن عيسى تخلّج // والآفات ترمي بالقضايا شرورها

    34) فقد نظرت عينَيّ الاطباب وعالجت // دواي ولا يجلي لعيني ذرورها

    35) عقوبة نظراتي بالاركان محرم // خَدَلَّجَةٍ لى فاح منها عطورها

    36) رمقته يستلم اليماني مواجه // لدى الركن واثواب الحواشي جرورها

    37) وتبدّى يكبّر طايف السبع كنه // قمر مزنةٍ في عاشرٍ من بدورها

    38) ودهشت وطفت السبع عكْسٍ وكادني // حساب الليالى ايامها مع شهورها

    39) فصرت على ما بي ترى يامحمد // كما قالعٍ تتلى الغبا عن صقورها

    40) عروفٍ بحقّي خوف الاصحاب مذعن // ومن له عندي طلبةٍ جا يدورها

    41) مطيعٍ لطلاب العيا في رفاقه // يزيد مع نقصان شوفي حقورها

    42) وكـم وقّروني قبل هذا مخافه // وكم قرّبتني بالمجالس حبورها

    43) وكم قلّطوني عند الاوزا وقدّموا // ثناي إلى قل الجدى من شبورها

    44) إلى ثوّروا شم العرانين طلبه // وتحايد عنها بالملاقا هذورها

    45) بطشت به في مسلك النوب سطوه // تمايز زومات العدا عن صدورها

    46) قريبٍ لمعترك السبايا وتاره // أخوض مع ارباب الهوى في بحورها

    47) وذا اليوم مسفوه الحكى رافض النبا // وحيٍّ وكني هالكٍ من دهورها

    48) غدا الشوف مني يابن عيسى فليتني // مَعَ سالفٍ شرقيّ ريدٍ قبورها

    49) وذا اليوم لي مع تلع الارقاب مجلس // مهينٍ ولا يِظفن عني خدورها

    50) يمازحنني ما ادري هوى أو تمصخر // والبيض هذا طبعها من عصورها

    51) ياطول ما فضّن عني نوافر // وغطّن عني ما ضفى من شعورها

    52) وضيّعن ما ردّيت فيهن من النبا // جوابٍ كما حسك الذرى من قفورها

    53) من الله نرجي يابن عيسى معوضه // لديك وتبلغني خوافي أمورها

    54) أبي منك ترحيبٍ وتقريب مجلس // رفيع مع ناسٍ رْفاعٍ قدورها

    55) وغينٍ ظليلاتٍ على جال عيلم // كما الحشر تزجيج الغنا مع زجورها

    56) على جانب البطحا من الغين بسّق // ينوش النما ماش الوطا من حجورها

    57) وبيتٍ فسيح يابن عيسى وعندل // لو الطرف مشغوفٍ بها ما يعورها

    58) قصيرة خطو الرجل ما دَنّ حجلها // إلى الغَيّ تتلى سربها في سمورها

    59) مخدومةٍ رقراقة العين ليلها // قصيرٍ ومجني عود الازرق بخورها

    60) لها من صفات الحور نورٍ وبالبها // يفوق على نور القناديل نورها

    61) تلوث رداها كن فيّاح ردنها // رياض المغانى بالثريا مطورها

    62) لها الجيد من سكّان ليلى وردفها // كما الطعس مبني الذرى من قعورها

    63) لكني إلى ما فِزْت منها بحبّه // صريع مداماتٍ عتيقٍ خمورها

    64) نعيش بهذا يابن عيسى وتنثني // عصورٍ تقضّت دارساتٍ سرورها

    65) من السر في منصوب ابو تاج واضح // مقيم حناديس الدجى من فجورها

    66) ودم رفعةٍ بالعز في حكمة الذي // يجلي حناديس الدجى من فجورها

    67) فحسناك ما يقدر فصيحٍ يعدها // مواريث جدّانٍ مضت في عصورها

    68) وعش وابق واسلم وابسط العذر بالذي // لفاك من تقصير الثنا في صطورها

    69) وصلوا على خير البرايا محمد // مزيل تماثيل النصارى وزورها

وهناك شاعر اسمه جبينان لا نعرف عنه شيئا أرسل إلى جبر قصيدة يشكو له فيها من لواعج الغرام وأجابه جبر على نفس المنوال. والذي يهمنا في هذه القصيدة أنها هي وقصيدة خليل بن عايد التي سنوردها لاحقا من أوائل المحاولات التي عثرنا عليها لتصريع الشعر النبطي ونظمه على قافيتين وعلى بحر المسحوب الذي وزنه مستفعلن مستفعلن فاعلاتن. يقول جبينان:

    01) أضعاف أنوار الغزاله وما لاح // برقٍ لابن حزمي وما شَدّن العِيد

    02) بالبيد أو ما شيف من نور مصباح // أو زرفلن العِيد في نازح البيد

    03) أو ما زرع بالبيد من كل فلاح // أو عِدّ ما قَصْرٍ على عاليٍ شيد

    04) أو ساق ديجور الدجى الصبح وانضاح // أو ما جرى المملوك في طاعة السيد

    05) أو عد ما قطر الحيا بالوطا ساح // فيه المجلجل ولا فيه تعهيد

    06) أو زاف زيّاف الضحاضيح وضّاح // ما فيه تبليلٍ ولا فيه تبريد

    07) أبهى سلامٍ وافيٍ عد ما ناح // ورق القميري جنح ليلٍ بتغريد

    08) يهب مع نسم الذواري ليا راح // واغلى من الياقوت خَصٍّ بتركيد

    09) وانوج عبيرٍ من شذى المسك لى فاح // وانفع شرابٍ من حليب المصاعيد

    10) يعم من في وجهه الخير نضّاح // لازال في حظٍّ عظيمٍ وتأييد

    11) جَبْرٍ وقاك الله من اسباب الاتراح // لا شاف من دنياه بالعمر تنكيد

    12) هذا مضى يامنتهى السد ياصاح // افكر بخطٍّ جاك مني بتسنيد

    13) لك اشتكي ما بي من الكون الاجراح // ونحّول حالي فيه ياجبر ما ازيد

    14) والبال ما هو يافتى الجود منساح // ازرى بحالي من كثير التصاديد

    15) طفلٍ سبى عقلي من البيض مزّاح // مجمول معسول اللما ضافي الجيد

    16) مزموم نهدينٍ كما طلع تفاح // واطراف روس مجدّله كالعناقيد

    17) والخشم حد السيف ياجبر ذباح // ومنقرشاتٍ زاهياتٍ مواريد

    18) وجهه كساه النور به داج الافراح // هايف حشا كل العذارى لهم سيد

    19) زينه على البيض العماهيج سرّاح // باقبال وجهه يابن حزمي لنا عيد

    20) عليه صبري ذايبٍ والعزا باح // ويش الحول لي دَزّ بعض المحاميد

    21) ازكى صلاتي دايمٍ عد ما ناح // ورقٍ على الهادي بحسن الاناشيد

وفي البيت الخامس عشر من رد جبر يقول لجبينان إنه مستعد لأن يسوق شفيقه (بالفاء) راشد مقابل حصول جبينان على من يحب. وقد نستنج من ذلك أنه كان لجبر ابن اسمه راشد. يقول جبر:

    01) أهلا عدد ما ناض برقٍ وما لاح // في مزنةٍ هلّت مطرها بتركيد

    02) أو عد ما قَرْمٍ على القوم نطّاح // أو عد ما أفنى قِنيصٍ من الصيد

    03) أو عد ما ركبوا يدورون الارباح // فوق النضا يطوون ما تبعد البيد

    04) واخير من شخصٍ من البيض مزّاح // ما ذْكِر حكى زور أو حْكي فيه أو صيد

    05) واغلى من الياقوت في حص الارباح // واخن من مسكٍ بعرفٍ مباديد

    06) واغلى من اللي له مجاهيم ولْقاح // ياما اصطبح منها بحلو العناقيد

    07) يهدى لمن يشكي عظيمات الاجراح // يقول ناعِتني ببعض المجاريد

    08) يغشى ظبيٍّ ادعج العين طمّاح // مره بزين وفيه كثر التصاديد

    09) دريت انا انه للهداليق ذبّاح // خطرٍ وباقى الناس ما تفهم الصيد

    10) وان كان أول ما تقل يبغى الارباح // فْعانِيّتِك مني حطامي هو اكيد

    11) وان كان عيّا والزعل عنه ما راح // لاحلف عليه بحلقته في ضحى العيد

    12) وبجديله اللي من على المتن طِيّاح // وبوجنتيه اللي زهاهن تواريد

    13) وبثغره اللي فيه مثل البرد لاح // وحديثه المملوح يانعم ونهيد

    14) فان كان عيّا من مكاثير الاصلاح // واستصعب امره عن حديثٍ وترديد

    15) أسوق له راشد شفيقي ولو صاح // واستفرج الله فوق قودٍ مقاويد

    16) والا انتدب قرمٍ على القوم نطّاح // كسبه جميل إلى أبى كل رعديد

    17) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . // كم زايلٍ به من رقاب الصناديد

    18) مع غلمةٍ تشفيك بالشد والراح // بهناديٍ ومثومنات البواريد

    19) ثم انهبه باكوار الانضا ولو راح // منا قروم وذربة الربع بالفيد

    20) واقول لا تجزع ترى الهم منزاح // وتحضى بمن قرنه سواة العناقيد

    21) هذا مضى واخبرك عن كل ما راح // مني وانا اعلمك بالحال وازيد

    22) مصيوب يوم العيد بالحاظ ذبّاح // . . . . . . . . . . . . . . .

    23) افهم ترى وصفه كما عنز مضياح // هافي حشا له مبسمٍ يخلف السيد

    24) الترف يالاسلام لولا الحيا طاح // من نفض ردفه كن بالساق به قيد

    25) وجدي عليها وجد من راح سبّاح // أو وجد هدّادٍ شفيقٍ على الصيد

    26) قبل المنى ما قال والله قد راح // طيري على برق الحباري بتهديد

    27) أو وجد راعي خور وان سمع صياح // فزع لحلوات اللبن صرع ما زيد

    28) تودّشوه وعلقوا فيه الارماح // ومرت تجر الراس من غير ترديد

    29) افكر بسدٍّ ياجبينان قد باح // للناس يوم الناس في ماقف العيد

    30) أقبلت باغٍ عادةٍ لي بالاصباح // من صاحبي واعاهده حول ما عيد

    31) اقفى وشاف الشيب في عارضي لاح // فاقبل بدمعٍ مثل مزن المفاريد

    32) صفّقت باكفافي على الراح بالراح // وسألت ربي يرحم الحال ويفيد

    33) وصلى إلهي عد ما البرق ينضاح // على رسولٍ فل كيد التماريد

والقصيدة التالية قدمها الربيعي بقوله "مما قال خليل بن عايد مطوّع المسوكف في عنيزة يسند على جبر سنة 1115". ولم نعثر على رد جبر على هذه القصيدة. والمسوكف من الحارات القديمة في عنيزة ومسجدها من المساجد الرئيسية في البلد ولا يؤم الصلاة فيه عادة إلا شخص يجيد قراءة القرآن وعلى دراية لا بأس بها في أمور الدين. ونتيجة المفارقة بين الشعر والغرام من ناحية وبين الطوع وإمامة الناس في الصلاة من ناحية أخرى نسجت حول هذا المطوع أسطورة حاكها الخيال الشعبي عن كيفية وقوعه في شراك الحب. وقد أورد الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل هذه الأسطورة في كتابه كيف يموت العشاق (1418: 509-512).

    01) مقصودي الباري مزيل المهمّات // عوني على الحاجات مغنى المفاقير

    02) زبني عن اسباب الامور العظيمات // أَوَيّ زَبْنٍ من تنصّاه ما ذير

    03) ربي إلهي مقصدي فيه مكفاة // رجواي مذخوري عليه التدابير

    04) قلته وانا اجفاني عن النوم سهرات // والقلب كنه فوق عوج المناشير

    05) الناس كلٍّ ياخذ النوم سجات // وانا فكني فوق بعض المجامير

    06) اسهر وليلاتي من الغيض قزوات // وروحي على صرف النيا والعواثير

    07) قمت اتقلّب وآخذ الليل ساعات // واقزي كما يقزي رْكيبٍ معايير

    08) باح العزا والسد مني بمرعات // خِشْفٍ دعت ليحان قلبي تناثير

    09) وقعت في غبّة خشوفٍ ربيبات // تلع الرقاب ابكار غِرٍّ غراغير

    10) ردّنّني في سن عصر السفاهات // وكد هوجرني عن هوى الغير تهجير

    11) بلوى ولا تنجي المخيف الحذارات // ولا تِفِكّ الى مضنّ المقادير

    12) ما كان صابن غيّهن والمشاكاة // أو يحترك قلبي لحب الغنادير

    13) إلا ولا لي في ذا الافنان شوفات // ولا يفزّ القلب لو هن جواهير

    14) لا شك انا كِتْبَت علَيّ الشقاوات // وارضى بتدبيره على الخير والضير

    15) ولا تقول انه تِفِكّ النذارات // ولا تلوم المبتلى وادع له خير

    16) قل لا بلينا وادع له بالمعافاة // تنجي وهي لك من خيار المحاضير

    17) ولا تهزّا فالبلاوي صدافات // ترى سبب ما بي تهزّيت بالغير

    18) مثل الحمامه صرت نيشان الافات // لو هي بْشَطْبٍ داره السهم تدوير

    19) عز الله ان سهومهن بي عطيبات // داسنّ قلبي بالحذا والمسامير

    20) عز الله اني صرت للغير مقضاة // عز الله اني بين ربعٍ مشاهير

    21) اعرست ابي عن ولعة القلب مكفاة // وغديت مثل الشاة تتلى الجزازير

    22) من راعي الخصرين والزند واسبات // ومذارعٍ كنه فلوق الجمامير

    23) ورهايفٍ غِرٍّ من النور غرقات // ولواحظٍ خرسٍ لغيري سحاحير

    24) وذوايبٍ من فوق الامتان سافات // وقذيلةٍ تحشى بطيب العطاطير

    25) يازين شف قلبي جروحه خفيّات // اتعبتني وارذيتني بالمعاذير

    26) حمّلتني بحمول غَيٍّ ثقيلات // ما تقدره صم الجبال المواعير

    27) واخلفتني ما عاد اصلّى النفيلات // صلاة ربي به عن الفرض تقصير

    28) بقرايتي للحمد أنا اقرا التحيات // الموجب ان القلب عندك الى دير

    29) عليك اجاوب راعبي الحمامات // في كل مشذوبٍ رفيع المقاصير

    30) اصيح وابكي مير ما اشوف فزعات // مثل الصياح اللي بوسط المقابير

    31) ما لي مجيبٍ غير والى السموات // يفزع لمن ضاقت عليه المعابير

    32) هَنِيّ مبسوطٍ هْجوسه مريحات // ما لاج في قلبه سواة الزمامير

    33) ولا ذاق لذّات الهوى والمهاواة // ولا رَصّ في صدره نهودٍ مزابير

    34) مكفي همومٍ ما بقلبه حسافات // ما قط همّه غير جمع الدنانير

    35) وخلاف ذا ياراكب له معفّاة // حمرا تِكِبّ الكور فَجّا المناحير

    36) امه سحيما من ركاب الشرارات // وابوه شعيلٍ من جمال المناصير

    37) مرباعها الصمان دون المحانات // فوقه سوات الرجم تجفل من الطير

    38) فوقه قطاميٍّ يْوَدّ الرسالات // ما يكهله قطع المناهيج والسير

    39) ريّض تحمّل من حليات الابيات // بِسْجِلّةٍ سِطِّر بها الحبر تسطير

    40) سلام مشغوفٍ ولا به مراوات // وهو على كِفّة حياض الحفافير

    41) وِتْحِيّةٍ ما ماج بالبحر موجات // واحلى من البان البكار الخواوير

    42) تهدى إلى جانب جميل السجيّات // جبر بن حزميٍّ اخا نية الخير

    43) عذب النبا راع العلوم الجميلات // ما قط يكسب غير حلو المفاخير

    44) ياجبر ابشكي لك وبالقلب علات // فيَّض عليك السد سِرٍّ وتجهير

    45) تجبر فوادي بالمشاكات ساعات // والا فلا يجبر سوى الله مكاسير

    46) ياجبر مع مثلك تجوز المشاكاة // على السِّعِه في حال وجد المقادير

    47) ياجبر نشكي لك امورٍ فنيعات // في ضامري ياجبر مثل الصهاهير

    48) ياجبر لو هي بالجبال الصليبات // ذاب الصفا منها كما ذوبة القير

    49) ياجبر لو هي بالجمال الطويلات // جضّن وخلّتهن هزالٍ مقاصير

    50) ياجبر قالاتٍ بغيري خفيفات // وعز الله انه بي ثقالٍ جماهير

    51) ياجبر عن غيري رماحه خطيّات // وعز الله انه بي عدالٍ سماهير

    52) ياجبر عن غيري علومه مْصِدّات // وعز الله انه بي ورودٍ مصادير

    53) ياجبر لو تاتي تْعَزّي سلامات // تراي مثل اللي على كفة البير

    54) ياجبر لو تقرا كتاب السريرات // حنيت لي حنة ذهوب المداوير

    55) ياجبر خذ ديني وعذري مشاهات // ما هم قلبي بالعلوم المناكير

    56) ياجبر خذ مني عهودٍ مثنّاة // ما دِرْتهن مير ان هذي مقادير

    57) ولا تعبت بطردهن والمراعات // ولا مشت رجلي لهن بالتداوير

    58) قلبي تعرّض للبلا والمصيبات // سهومهن بالقلب قبل التفاكير

    59) غديت مثل اللي تقافنّ عجلات // عن القفار وْجَنّ لقح معاشير

    60) من كاعبٍ ياجبر تسقين كاسات // كاس العنا وكْفِيت شر العواثير

    61) وختام قيلي في شريف الصلوات // على شفيع الخلق يوم المحاشير

 أعلي

 

<< الصفحة السابقة  |  الشـعر النبـطي  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية >>