الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

 

ليلى وجري

جري التميمي كان له زوجة اسمها ليلى تسبي القلوب بحسنها وجمالها· تزوجها جري عن عشق وحب عميق متبادل بينهما ومن القصائد التي قالها جري يعبر عن حبه لليلى هذه الأبيات:

              من هوى ليلى رعينا مع الظبا             وقرضت عود الشري مِرًّ زوانيه

              ياهل ليلى يامعاطيش واوردوا              على دمع عيني غديرٍ زلاليه

              ياهل ليلى كثر الله مثلها                   عندكم كدكم تخلونها ليه

              حبه لجا بيلجّفٍ تحت عِجَّف                عليها ضلوعي والمعاليق باليه

وفي يوم من الأيام حينما كان جري غائباً في إحدى غزواته حيث أنه اشتهر بشجاعته وبسالته· ولم يبق في الحي إلا النساء والأطفال والعجزة نزل عليهم أمير من أمراء البلاد واسمه السقيفي الذي كان هو أيضاً في طريقه إلى الغزو فمر بهذا الحي الذي فيهم ليلى فأسرت لبه بجمالها الفاره· ولما رأى ليلى وتمكن حبها من شغاف قلبه سأل عنها فأخبروه بأنها ليلى زوجة جري· قال: فليخسأ جري، أنا أريد هذه الحسناء لنفسي فأنا الأمير بن الأمير أحق بها من هذا الأعرابي الجلف، هذه الحسناء هي مغزاي وهي غنيمتي· فأخذها قسرا وكبل يديها بالقيود وحملها معه على راحلته وربط ظفائرها بكور راحلته وعاد أدراجه إلى بلده·

وبعد ما نهب السقيفي ليلى اجتمع أهل القطين وتشاوروا فيما بينهم ماذا يقولون لجري بعد أن يرجع من غزوته فلا يجد ليلى لأنهم لو أخبروه بالحقيقة فقد يصعق أو يفقد صوابه وقد يتجرأ على الذهاب إلى السقيفي لاسترداد ليلى فيقتله السقيفي· وبعد أن تبادلوا الرأي استقر رأيهم على أن يكتموا الأمر عن جري ويقولون أن ليلى ماتت· وقاموا إلى جذع شجرة ورمسوه في التراب وأقاموا عليه نصباً على هيئة قبر·

ولما عاد جري سأل عن ليلى فقالوا له إنها ماتت وذاك قبرها أمامك· فجلس عند القبر يبكي ليلى ليل نهار وعزف عن الأكل والشرب والنوم· وكان جسيماً مفتول الساعدين عريض المنكبين فأحاله الحزن والأسى إلى شخص هزيل ضامر، ولم يبق من جسمه القوي إلا الجلد والعظم والعروق· ولما رأت أحد عجائز الحي الحالة التي آل إليها أسفت له وقررت أن تساعده وتخبره بحقيقة الأمر بطريقة إيحائية· فأوعزت إلى بعض الصبايا الصغيرات أن يغنين على مسمع منه هذه الأهزوجة·

              كن عين ليلى يوم راح ابها السقيفي           عين ظبيٍ شاف قَنَّاصٍ وذاره

فلما سمع جري هذه الأهزوجة من الصبايا ساوره الشك في أمر ليلى فسألهن ممن سمعن الأهزوجة فأخبرنه أن العجوز فلانة أخبرتنا بها وطلبت منا أن نحفظها ونغنيها على مسمع منك· فلما نام جميع أهل الحي هب جري إلى قبر ليلى وحفره فلم يجد داخله إلا جذع الشجرة فعرف أن هناك سراً لابد من كشفه· فشد الرحال إلى بلاد السقيفي وسأل عنه حتى وجده في وادي النير· ولما حل على قوم السقيفي كان هزيلاً شاحباً مما لاقاه من الوجد والهيام لذلك لم يعرفوه· ولما سألوه عن هويته أجابهم بأنه درويش يهيم في بلاد الله بدون هدى أو قصد وطلب منهم أن يقيم بينهم لفترة من الزمن فأجابوه إلى ما طلب·

وحينما شاهد وجه ليلى في بيت السقيفي وتأكد أنها لا تزال على قيد الحياة بدأ يستعيد قواه· وشيئاً فشيئاً بدأت صحته تتحسن· وكان من بين حاشية السقيفي أناس يعرفونه حينما كان على أشده وقبل أن تفارقه ليلى وتسوء حاله· فلما بدأ يستعيد صحته ونضارته شك هؤلاء الناس في أمره، وأخبروا السقيفي أن هذا الذي يدعي أنه درويش قد يكون هو جري بعينه· وكان من عادته أنه إذا نام لا يفيق إلا في الضحى بعد أن يضربه حر الشمس· فقرروا ذات يوم أن يرحلوا في الصباح الباكر قبل أن يفيق، ولكي يتأكدوا أنه لن يفيق في الغد إلا في ساعة متأخرة جداً كلفوه بالكثير من الأعمال الشاقة المرهقة وطلبوا منه أن يقوم بها جميعها قبل أن ينام· ولما أوى إلى مرقده في آخر الليل رحل القوم وتركوه وقالوا لأحد فرسانهم المعدودين واسمه أبو العيس: اجلس أنت مختبئاً خلف هذه المرقبة المطلة على هذا الكهف الذي في قمة هذا الجبل وانظر ماذا يفعل حينما يصحو في منتصف النهار· وكانوا قد تركوا بجانب جري شيئاً من الطعام وقالوا لأبي العيس: راقب ماذا يفعل بالطعام حينما يفيق فإن كان درويشاً كما يدعي فهو سيأكل من هذا الطعام الذي تركنا له، وإن كان جري فهو سيصعد إلى هذا الكهف ويقول شعراً وعليك أن تعي وتحفظ ما يقوله، وبعد أن يتم كلامه إن اتضح لك أنه جري تقطع رأسه وتحضره معك·

ولما أفاق جري كعادته التفت يمنة ويسرة فوجد أن الحي قد رحلوا وليس حوله إلا الطيور تحوم على الأطلال· فنهض من مكانه متوجهاً إلى الكهف ليلتجىء في ظله· عند ذلك تسلل أبو العيس من مرقبته المشرفة على الكهف وانبطح حتى يكون على مقربة من جري ليسمع ما يقول· وكان أبو العيس رجلاً وسيماً لحيته وشاربه كأجنحة الصقر حين يهم بالطيران وله ظفائر طويلة· ولما جلس جري في ظل الكهف واستقر به المكان بدأ ينشد·

              يقول جِرِيًّ وان بِدا راس مرقب                تهب الهبايب ويتجازى مِريره

              تهب الهبايب صوب هَجْرٍ من النيا              وهجر النيا ما قط يبرى شِريره

              تهب الهبايب كلٍ عصرٍ وجهمه                 عيّت على صلف الهبايب زبيره

              الا ياحماماتٍ بوادٍ رِبَن به                      ربن بواد النير مربى الصغيره

              معاهن ورقا واشرفت راس مرقب             لوى الضيم من بين الثنادي ضميره

              تبكي تحسب الضيم ما صاب مثله              ولا صابن السيّات الا ضميره

              عيني تشادي قِرْبِةٍ شوشِلِيِّه                    بعيدٍ مروّاها دِنونٍ بعيره

              أو اثل الديم كل ما هب به الهوى              يطيح من بل الندى من شكيره

              هلّت وصبّت وصابت وْصَبْصِبَتْ                 كما ينصب مع الزعجا حقوقٍ غَديره

              وكبدي تشادي لكمة الرِجِل بالشتا              ليا طقّها عودٍ تَلَوّى ضميره

              يامل كبدٍ تَطْحَن الغَبِن كِنّه                      رْحا عاجزٍ ما فيه حيلٍ يديره

              قلت اطحني يالكبد غيظي ودققي                على صاحبٍ ما بالبرايا نظيره

              علام شمس اليوم تمشي مريضه               وهي كان قبل اليوم عجلٍ مسيره

              ياليت بقعا خيرها داب شرها                   عسى حسانيها يكافي شريره

وأثناء إنشاد جري لهذه الأبيات كان أبو العيس يقترب شيئاً فشيئاً إلى فوهة الغار ليتبلّغ كلامه فرأى جري ظل وجه أبي العيس وظل ظفائره الطويلة فعرفه وعرف قصده من الاستماع إليه فألحق الأبيات التالية بقصيدته دون توقف·

              أبا العيس يادارٍ درى عن شِكِيّتي              ياكامن اسرار الهوى عن خبيره

              ياحامي الونْدات بيذارع القَنا                   يا كَلّ من عود العريني طِريره

              الاشوار لو صدرها مثل وردها                ما تاهب الاشوار من يستشيره

              الاشوار تبي له ورا السد نادر                 ليثٍ الى نام المعافى يديره

              من لامني بحب ليلى ام هاشم                 يبلاه من بلوى الليالي شريره

              شَرٍّ من الادنين دَمًّ تَنَقّلوا                      بيقالةٍ كن تاه واللي مشيره

              كن العيون السود بيني وبينه                  ينباج عن لبات ليلى غَديره

فلما انتهى جري من إنشاد قصيدته قال أبو العيس: لا عليك فأنا لن أتعرض لك بسوء بل سأحملك إلى حيث رحل السقيفي علك تحظى بوصل ليلى· فشكره جري وقاما إلى راحلة أبي العيس وأغذّا السير حتى وصلا إلى منازل القوم، فانتظرا حتى غياب الشمس ولما أجنّهما الليل أخذ أبو العيس بيد جري وأدخله على ليلى ثم ودعهما وانصرف· فأدخلت ليلى جري في صندوق كبير وظل مختبئاً في هذا الصندوق وحينما يخرج السقيفي من البيت ويخلو الجو لليلى وجري تخرجه من الصندوق تطعمه وتسقيه، ويجلسان يتشاكيان لوعة الغرام· وكانت ليلى تطلب من الخدم أن يحضروا لها لبن العشائر وتتظاهر لهم أنها مولعة بشرب اللبن ولكن بدلاً من أن تشربه كانت تعطيه جري ليتغذى به·

وفي إحدى المرات ذهب السقيفي غازياً فأخرجت ليلى جري من صندوقه وجلسا يتحدثان كعادتهما حينما يخلو لهما الجو· فوضع جري رأسه على رجل ليلى وشرعت تتحسس شعره وتفليه، فبصق بصقة إلى أعلى فلزمت بصقته في السقف وكان مرتفعاً، وهذه من دلائل قوة جري وشدته· ولما رجع السقيفي من غزوته ودخل بيته في الهاجرة من أجل المقيل لاحظ البصقة التي في السقف فساوره الشك في أنها بصقة جري لأنه لا يعرف أحداً بهذه القوة والنشاط· ولكي يتأكد بصق هو فلم يصل بصاقه السقف وطلب من ليلى أن تبصق فلم تبلغ هي السقف أيضاً· فأمر خدمه أن يبحثوا في جميع أنحاء القصر علهم يجدون جري فبحثوا حتى عثروا عليه في الصندوق· وكان السقيفي وحاشيته في السابق استغربوا على ليلى حبها للبن وشغفها به حيث كانت تطلبه بكميات كبيرة وتدعي أنها تشربه كله، فلما وجدوا جري عندها عرفوا السر وقال السقيفي كلمته المشهورة "الاسم لليلى والغبوق لجري" وسارت بين الناس مسار المثل· فلما أمسكوا بجري وصمموا على قتله صعدت ليلى إلى أعلى شرفة بالقصر وهددتهم أنها سترمي بنفسها وتنتحر إن هم قتلوه· قال لها السقيفي: لا بد من قتل هذا الرجل الجاني الذي يدخل بيوت الناس ويختلي بنسائهم· قالت ليلى: هذا ابن عمي تزوجته على سنة الله ورسوله أما الجاني فهو أنت الذي نهبتني قسرا وحرمتني من أحبتي وعشيرتي فليس لك أن تذبحه بل عليك أن تعتقه وتكرمه وتردني إليه· فسخر منها السقيفي وقتل جري أمام عينيها فرمت بنفسها وماتت في الحال· فقبروا الإثنين في قبرين متجاورين· ولم يمض وقت طويل حتى نبتت على قبر كل منهما شجرة وبدأت الشجرتان تنموان شيئاً فشيئاً ولما طالتا واستقلتا عن الأرض تعانق فرعاهما عناق الأحبة فكانتا عبرة لمن اعتبر·

 

 

<< الصفحة السابقة  |  مقالات صحفية في الأدب الشعبي  |  أعمال قيد النشر  |  الصفحة التالية >>