الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

 

أدب البدو في كتابات الرحالة والمستشرقين

2) الألمان يشدون الرحال

 

على إثر أوغست والين يأتي قنصل بروسيا (ألمانيا الغربية) في دمشق يوهان جوتفريد فيتشتاين Johann Gottfried Wetzstein الذي جمع بعض المخطوطات الشعرية بما فيها نصا نثريا جمعه عام 1860م ونشره عام 1868م تحت عنوان "ملامح لغوية من مضارب البادية السورية" Sprachliches aus den Zeltlagern der syrischen Wuste. يبدأ فيتشتاين مقالته بالحديث عن والين والإشادة بجهوده مع إبداء بعض الملاحظات عليها والتي يمكن تلخصيها كما يلي. ما نشره والين لا يمثل إلا جزءا ضئيلا من المادة الشعرية المخطوطة التي جمّعها أثناء إقامته في معان وتيما وحائل ودومة الجندل ومشهد علي وعاد بها إلى أوربا(ترى أين هذه المخطوطات؟). وكانت إقامة والين في حائل بعد الحروب التي جرت بين حائل والقصيم والتي قيل فيها قصائد كثيرة جمع والين بعضا منها. ويرى فيتشتاين أن تلك الفترة التي استتب فيها الأمر لابن رشيد في حائل، وخصوصا بعد انتصاراته على أهل القصيم "القصمان" التي ألهبت حماس الشعراء، ازدهر الشعر كثيرا في جبل طي وبشكل ليس له مثيل. كما يؤكد أن النماذج الشعرية التي نشرها والين ليست بذات قيمة فنية كبيرة ومن المشكوك فيه أنه كان يفهمها فهما جيدا. ويرجح فيتشتاين أن عدم نشر والين للقصائد الأخرى هو أنه جمعها على شكل مخطوطات عارية من الشروح والتعليقات لذلك فهو لا يفهمها ولا يستطيع التعامل معها. ومع ذلك يعترف فيتشتاين لوالين بشرف الريادة ويقر بأن النماذج التي نشرها هي أول معلومات لغوية يتلقاها الغرب من الصحراء العربية. إلا أنه يشير إلى أن الدكتور بيرتش W  Pertsch أمين مكتبة جوتا Gotha ذكر له أن فون سيتزين von Seetzen أودع في مكتبة جوتا مجموعة خطية من القصائد التي جلبها من شرق الأردن، وخصوصا من منطقة السلط والبلقا حيث تلتقي البادية مع الحاضرة ويترعرع فن الشعر. وكان سيتزين يجيد التحدث بالعربية لكنه لم يكن متمكنا من القراءة والكتابة بها لذا لم تكن تتوفر لديه الكفاءة لنشر القصائد التي جمعها ولا دراستها. (وقد اطلع البرت سوسين Albert Socin على هذه المخطوطة وقال عنها إنها كتبت بعدة خطوط وأنها سيئة جدا ولا تتضمن أي قصائد من نجد. كما يزعم سوسين الذي زار الشام وبلاد الرافدين بأنه لا يوجد رواة جيدون في مناطق البلقا وحوران).

بعد هذه المقدمة يبدأ فيتشتاين بالحديث عن القطعة النثرية "السالفة" التي دونها في مضارب قبيلة ولد علي من عنزة وفي بيت عقيدهم صالح الطيار، حفيد كنعان الطيار، من عجوز شراري كان يحل ويرحل مع هذه القبيلة منذ ثلاثين عاما. يروي فيتشتاين إنه في أواخر صيف 1860م جفت البحيرات القريبة من دمشق بسبب قلة نزول الأمطار وتحولت في نهاية سبتمبر إلى مراتع خصبة. وكانت تلك السنة سنة عجفاء بالنسبة للبادية نفق فيها معظم حلالهم مما حدا بهم للقدوم من بعيد وقريب إلى تلك البحيرات التي امتلأت في شهر أكتوبر بالمخيمات والمواشي من مختلف القبائل التي جاءت لترعى عشبها. وعلى الرغم من أن تلك القبائل كانت في نزاع مستمر مع بعضها البعض ولسنين طويلة إلا أنها اضطرت في تلك السنة إلى التصالح والتعايش لتتمكن من الرعي في أحواض تلك البحيرات التي تحولت إلى حقول خضراء (هذا يذكرنا بفيضة الأديان التي قطنت عليها قبائل شمر وعنزة والظفير وفيها تمكن ماجد الحثربي من الأخذ بثأره من مفوز التجغيف). ويضيف فيتشتاين أن الفضول حدا به إلى الذهاب هناك لمشاهدة ذلك التجمع القبلي الضخم الذي شكل مشهدا عجيبا ملفتا للنظر ومثيرا للدهشة. وفي الثامن والعشرين من أكتوبر خرج من دمشق إلى حرّان وفي التاسع والعشرين منه نزل ضيفا على صالح الطيار في خيمته، حيث كان أولاد علي ضاربين خيامهم في بحيرة عتيبة (اسم المكان وليس القبيلة المعروفة). وهناك التقى بالشيخ الشراري الذي دون منه السالفة إضافة إلى سوالف وقصائد أخرى منها قصيدة كنعان الطيار وقصة عشقه لبنت ابن طواله. ويقول فيتشتاين إن شيخة أولاد علي في بيت ابن سمير بينما تحتفظ عائلة الطيار بمركز العْـقاده، أي قيادة القبيلة في الحروب. كما يضيف أن قبيلة الشرارات آنذاك تنتشر من تبوك إلى الجوف. لكن جدب منطقتهم لا تسمح لهم بحياة رغيدة لذا يضطر الكثير من رجالهم إلى ترك منطقتهم وقبيلتهم للعيش مع قبائل عنزة والبلقا وحوران الذين يقدرونهم ويحترمونهم لشجاعتهم ومهارتهم في استخدام السلاح وإجادتهم الشعر والسوالف، أي سرد الحكايات والقصص. كما يتميزون بخفة الروح والظرف وطيب المعشر في السفر. ينشر فيتشتاين السالفة التي تقع في سبعة عشر صفحة مكتوبة بالأبجدية العربية ويتبع ذلك بترجمة ألمانية وتعليقات لغوية وإثنولوجية لكنه لا يكتبها بالأبجدية الصوتية.

والسالفة التي دونها فيتشتاين من الشراري ليست قصة واقعية. لكن لغتها بدوية كما أنها مليئة بالعبارات الجميلة والصور الشاعرية التي تعكس حياة البدو وذوقهم. ملخص السلفة أن شمريا وخالديا جار عليهما الزمان وتنكر لهما الأهل والأصحاب مما اضطر كلا منهما إلى الجلاء عن قبيلته. وحينما ذهب الخالدي يرتاد مكانا لأهله تقابل في أحد الرياض المعشبة مع الشمري الذي كان هناك لنفس الغرض. وبعد أن عرف كل منهما مأساة الآخر اتفقا على الجوار والنزول معا في تلك الروضة الخصبة. ولم يكن للشمري من الأولاد إلا بنتا اسمها حمدة أما الخالدي فله ابن واحد اسمه هباس. ولرغبة الخالدي في مجاورة الشمري كذب عليه وقال له إنه مثله ليس له إلا بنتا اسمها حمدة أيضا، لأنه خاف لو علِـم الشمري بأن عنده ولدا لما قبل مجاورته خوفا على بنته. وأمر الخالدي ابنه هباس أن يتزيا بزي البنات ويتصرف مع حمدة كما لو كان فتاة مثلها. لكن الحقيقة دوما لا بد وأن تظهر. فقد صادف ذات يوم أن أغار قوم من الغزاة على إبل الشمري والخالدي ونهبوها. ولما عجز الأبوان عن استرداد الإبل اضطر هباس إلى أن يأخذ سلاحه ويركب الفرس ويسترد الإبل. ولما علم الشمري بحقيقة الأمر غاضب جاره الخالدي ورحل عنه. لكن الحب كان قد تمكن من قلب حمدة وهباس وصار كل منهما يحن إلى الآخر ويتحرق لرؤياه. وبعد مغامرات عديدة ومعاناة طويله تتحقق الآمال ويلتئم الشمل ويقترن هباس بحمدة.

وفي العقد الثامن من القرن التاسع عشر كان البرت سوسين Albert Socin يتجول في الشام وبلاد الرافدين ويقوم بجمع الشعر من البلقا وحوران ودمشق وحلب وبغداد وسوق الشيوخ، وحتى من ماردين على الحدود السورية التركية. ونشر حصيلته الضخمة عام 1900م والتي هي بمثابة أول ديوان يطبع في الشعر النبطي مع ترجمات ودراسات لغوية واثنولوجية مفصلة ويقع الكتاب في حوالي ثمانمائة صفحة ويتضمن مائة وإثناعشر قصيدة. قابل سوسين في طريقه من دمشق إلى بغداد حملة من تجار العقيلات الذين أرشدوه في بغداد إلى مهاجر من أهالي بريدة اسمه محمد ويلقب بالأفندي لأنه يجيد القراءة والكتابة. وأملى محمد على سوسين الكثير من القصائد التي كان يحفظها عن ظهر قلب. وقابل سوسين شخصا من مدينة عنيزة اسمه مسفر كتب عنه بعض القصائد لكن روايته لم تكن بجودة رواية محمد. ومحمد الحساوي من الأحساء هو الراوية الثالث الذي قابله سوسين في سوق الشيوخ ووصفه بالغباء وعدم الفهم لكنه اكتتب منه بعض القصائد واشترى منه ديوانا مخطوطا يحتوي على الكثير من القصائد. وفي ماردين جمع سوسين بعض النصوص الركيكة من فلاح قال له إنه من قبيلة طي. ويقول سوسين إنه رأى الكثير من مخطوطات الشعر النبطي، من ضمنها ديوان نمر بن عدوان.

في عام 1908م بدأ ألاويس موزيل Alois Musil رحلاته الاستكشافية في شمال الجزيرة العربية. وأمضى بعض الوقت يحل ويرحل مع قبيلة الرولة تحت حماية الشيخ نوري بن شعلان وتسمى باسم موسى الرويلي. وموزيل تشيكوسلوفاكي الأصل وشغل منصب أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة تشارلز في براغ. ونشر نتائج أبحاثه في سلسلة من الكتب باللغة الألمانية التي ترجمت فيما بعد إلى الإنجليزية، ومن أهمها كتابه عن قبيلة الرولة الذي نشر بالإنجليزية عام 1928م. ويحتوي هذا الكتاب على كم وافر من السوالف والقصائد والأحديات ويزخر بالمعلومات الثرية عن حياة البدو. ومن الذين استعان بهم موزيل في الحصول على مادة كتابه الشيخ النوري بن شعلان وكاتبه جواد ابو علي العاني وعبده حمار ابو عواد وكذلك عوده ابو بركان الكويكبي ومنديل القطعي ومحمد القضيب وعبدالله المطرود وكلهم من الرولة، بالإضافة إلى بليهان بن ابراهيم بن داغر بن ضري بن مصرب من القمصة من السبعة. (ومنديل القطعي الذي ذكره موزيل يرد إسمه في السوالف التي جمعتها أنا من رواة شمر خلال الفترة 1403-1405هـ). والآن أصبح كتاب الرولة متاحا لقراء العربية بفضل الترجمة التي أعدها الدكتوران محمد السديس وعبدالله الزيدان من جامعة الملك سعود. ورغم نفاسة هذا العمل فإنه لا يخلو من بعض الهنات التي نبه لها المترجمان في تعليقاتهما على الترجمة.

ومنذ بداية القرن العشرين استحوذت قبيلة الرولة على اهتمام الرحالة الأجانب فكتبوا عنها كتبا مطولة ومفصلة منها بالإضافة إلى كتاب موزيل كتاب نشره كارل رسوان Carl Raswan سنة 1935م تحت عنوان The Black Tents of Arabia وهو مزود بالصور المعبرة منها صورة للشيخ النوري ابن شعلان وحفيده فواز بن نواف وصور أخرى عن حياة الرولة في حلهم وترحالهم وفي حالات السلم والحرب. وفي عام 1981م نشر ويليام لانكاستر William Lancaster كتابا بعنوان The Rwala Bedouin Today وهو دراسة أنثروبولوجية لقبيلة الرولة وما طرأ عليها من تغيرات في وقتنا الحاضر.

وفي عام 1938م نشر المستشرق الألماني ج هس J. J. Hess كتيبا يحتوي على حكايات وقصائد وعادات وتقاليد البدو في قلب الجزيرة العربية. يحتوي الكتاب على مواد لغوية واثنوغرافية وأدبية ومعلومات أخرى تلقي بعض الضوء على حياة البادية. استقى هس مادته مشافهة من اثنين من البدو الذين التقى بهما في القاهرة أحدهما عتيبي اسمه موهق بن عايض بن عجاج الغنامي والآخر قحطاني اسمه مسفر. ويمتدح هس موهق ويشيد بفصاحته وبراعته في السرد والرواية وقدرته على توصيل المعلومات وتفسيرها، ويقول إنه أمضى معه قرابة خمس سنوات في القاهرة تعلم منه خلالها كل ما يعرفه عن لهجة عتيبة وعاداتها وتقاليدها. عمل موهق مع محمد البسام، الذي يعد من أكبر تجار عقيل، في جلب الإبل إلى مصر والشام. وخلال عمله مع ابن بسام تردد موهق على القاهرة وعرفها جيدا. وخلال الحرب العالمية الأولى عمل جنديا في جيش الشريف حسين. وبعد فتح الحجاز واشتداد وطأة الإخوان فضل موهق الانتقال إلى مصر عام 1930م والإقامة هناك حيث عمل خفيرا في عزبة عزيز عزة باشا. ومن المؤسف أن القصائد القليلة التي يتضمنها كتاب هس ترد بالترجمة الألمانية دون الأصل العربي.

ومن النماذج الضعيفة فنيا تلك السوالف والقصائد التي جمعها هـ. هـ. سبور H. H. Spoer مع زميله إلياس نصرالله حداد من جنوب فلسطين وشرق الأردن والمنسوبة على حد قولهما لنمر بن عدوان. وتساؤلنا حول القيمة الفنية لهذه النماذج لا يضير الباحث في شيء. والقيمة الفنية على كل حال ليست هي التي تحدد القيمة العلمية للمادة ولا أهمية النتائج التي تتمخض عن دراستها لأن الأساس الذي تقوم عليه فلسفة العلم هو أن أي شيء وكل شيء قابل للدراسة، والهدف الأساسي الذي يرمي إليه  سبور وحداد هو هدف لغوي قبل أن يكون هدفا أدبيا أو فنيا، والنتائج التي توصلا إليها في هذا الصدد مهمة جدا. أما من حيث الدراسات الأدبية المقارنة فإن المادة التي جمعها هذان الباحثان تفيدنا في رصد التحولات التي تطرأ على السوالف والقصائد شكلا ومضمونا حينما تهاجر من موطنها الأصلي إلى بيئة غريبة عنها لغويا وثقافيا والأسباب التي تساهم في تحول هذا الأدب من مادة تاريخية إلى مادة أسطورية.

 

<< الصفحة السابقة  |  مقالات صحفية في الأدب الشعبي  |  أعمال قيد النشر  |  الصفحة التالية >>