Please enable JavaScript in your browser preferences and then Reload this page!!!

الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

أبحد هوز

سعد الصويان

لنبدأ من البداية. في أرجح الظن، بل أكاد أجزم، أن أغلب، إن لم تكن الغالبية العظمى، من طلاب الجامعة عندنا لا يملكون مهارات التعلم ولا يجيدون التعامل مع أساسيات القراءة والكتابة، حتى عبارة بسيطة يفترض أنها درجت على ألسنتهم مرارا وتكرارا مثل "أبجد هوز" إن قرأوها تلعثموا وإن كتبوها اقترفوا أخطاء نحوية وإملائية.· أتوقع أنك ستبادر بسؤالي وتقول: طيب من المسؤول؟ أول قضية يلزمني البدء بالتأكيد عليها في إجابتي لك أنه لا بد أن نستبعد الطلبة ونخليهم من المسؤولية لأنهم هم الضحية الحقيقية. سأكون عنصريا مقيتا لو افترضت أن طلابنا ينقصهم الذكاء الذي يتممتع به شباب بلدان أخرى أبدعوا وبرّزوا وحقّقوا المعجزات.· مستوى الطالب، سواء كان جيدا أو رديئا،  ليس إلا نتيجة لسبب، وهو في نهاية المطاف وفي الواقع وقبل أن يعكس مستوى الطالب يعكس مستوى الجهاز التعليمي· وهنا ستقفز وتقول: ياشيخ سبق وأن قلت لك أن وزارة التربية والتعليم لك عليها· أنا بطبيعة الحال لا يهمني أن أشير بأصبعي إلى هذا الشخص أو تلك الجهة وأرمي عليها المسؤولية. في قضايا مثل هذه القضية أعتقد أن الاعتراف بالمشكلة أولا ثم تحديد االأسباب المسؤولة سيكون أهم من تحديد الجهة المسؤولة أو الشخص المسؤول. والأهم من ذلك الاعتراف بالمشكلة، لأن الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى في طريق حلها· تحديد المسؤولية أمر مهم، لكنه في نفس الوقت لا يخلينا كلنا من المسؤولية، فبناء الأوطان مسؤولية الجميع. وعلى كل حال فإن جهاز التعليم هو بدوره ليس إلا جهاز، بمعنى أن هناك أجهزة أخرى تشارك هذا الجهاز المسؤولية بحكم الترابط العضوي الذي يفترض أن يحصل بين كافة الأجهزة التي تعمل في نظام واحد. أضف إلى ذلك أن وزارة التعليم أيضا جهاز ينفذ توجهات وتوجيهات ضمنية أو معلنة· بالعربي الفصيح وزارة التعليم تنفذ سياسة تعليمية، سياسة تعليمية تتنازع رسمها قوى ضاغطة، ليست الدولة إلا واحدة منها، كل منها يحاول أن يوجه دفة  التعليم الوجهة التي تنسجم مع طريقة تفكيره وتخدم مصالحه. ولا ينبغي لنا أن نقلل من ثقل الضغط الاجتماعي بموروثاته وقيمه ومفاهيمه. لكن أخطر محنة واجهها التعليم عندنا هو ما حدث حينما جاءت قوى تمكنت وحظيت حينها بالثقل والتأثير فاستطاعت لفترة وبطرق مباشرة وغير مباشرة أن تختطف مسيرة التعليم وحاولت تحديد مسيرتها في طريق مسدود علميا وفكريا لأنه يقوم على إقصاء العقل تماما· إن أزمتنا العلمية هي ذات أزمتنا الإعلامية. إقصاء العقل والبعد عن الموضوعية· إقصاء العقل هو أن لا تتاح له الفرصة ليمارس دوره في التفكير والتعبير· إنني حقا لا أعرف كيف نرضى لأنفسنا أن نكفر بأكبر نعمة منحها الله البشر ليشْرُفوا بها على بقية الكائنات ولتهديهم سواء السبيل في هذه الحياة، ألا وهي نعمة العقل· لماذا نعطل هذه النعمة التي من الله بها علينا· أليس في هذا جحدان لنعم الله ونكران لجميله علينا؟

قبل أن نحاكم وزارة التعليم تعالوا نحاكم أنفسنا· تعالوا نحاكم قيمنا تعالوا نفحص مفهامينا للعلم والعقل الذي هو أداة العلم· إننا نتصور العقول مثل السطول والعلم مثل الماء يفرغ من السطول، اللي هي عقول الأولين ويصب في سطول، أقصد عقول الأجيال التالية· في عهد المخطوطات اليدوية والتدوين قبل عصر الطباعة كان لا يمكن للنساخ أن يقيدوا وينسخوا نسخا كثيرة من نفس العمل لذلك قيدوه في عقولهم، استخدموا العقول كأوعية تخزين إضافية لحفظ وأرشفة الأعمال العلمية حتى لا تتبدد وتضيع وتندثر· كانت عمليات النقل والحفظ والتلقين ضرورية في تلك العصور كأدوات لحفظ المعرفة الإنسانية من الضياع نظرا لأن وسائل الحفظ والتخزين والاسترجاع ومختلف آليات الاتصال كانت محدودة الفاعلية، لذا كان لا بد من اقتطاع جزء مهم من الطاقة العقلية لتخزين المعرفة· وشيئا فشيئا صار النقل والتلقين يعني التقيد بالنص بدلا من مجرد حفظه من الضياع، وصار العلم أشبه بعمل نسخ من الأصل على أشرطة الكاسيت أو الأقراص المدمجة· الطباعة فسحت المجال لعمل آلاف النسخ من العمل الواحد مما يضمن انتشاره وحفظه وبقائه· الطباعة ومن بعدها الحاسوب أراحت العقل وحلت محله في تحمل هذا العبء، عبء الحفظ والتخزين· ذلك الجزء من العقل المخصص للحفظ والتخزين أصبح الآن محررا ويمكن الاستفادة منه وتوظيفه في مهام أخرى، مثل تحليل المعلومات والربط فيما بينها واستخلاص النتائج الصحيحة منها.

لكننا مع الأسف ما زلنا نتوارث ذلك المفهوم الذي يصور التعليم على أنه نفخ العقل كما تنفخ الصميل ومن ثم حشوه بالمعلومات التي يفترض أن يتعهدها بالحفظ والصون وأن لا يزيد فيها ولا ينقص منها وينقلها أمانة مسلمة إلى الأجيال التالية. إنها ثقافة حرفية النص الذي لا ينبغي له أن يتبدل· نلغي العقل ونتقيد بحرفية النص حتى نلغي حقيقة التغير والتطور ونثبت الزمن عند لحظة معينة من لحظات التاريخ· كأننا لا ندرك أن الزمن لا يتوقف عن الحركة وأن العقل لا يتوقف عن التفكير· العقل "معالج" مثله مثل معالج الكمبيوتر إذا دخلته المعلومات لا يتركها لوحدها بصفائها ونقائها الأصلي بل يعالجها ويتدبرها ويتعامل معها· هذه المهارات وهذه القدرات على المعالجة والتحليل هي التي كان ينبغي للتعليم أن ينميها ويوجهها الوجهة الصائبة· يصف أفلاطون العملية التعليمية أنها ليست مجرد تفريغ المعلوما ت من عقل الأستاذ وصبها في عقل التلميذ كما تصب النبيذ من القارورة في القدح، بل هي تحفيز الذهن وتوجيهه لاستخراج المعرفة الكامنة فيه كمون النار في الزند.

إننا نحاول أن نقصي العقل بدلا أن نفتح المجال أمامه ونفسح له الطريق. لا نقصي العقل فقط في مناهج التعليم  بل في كل شؤون حياتنا تقريبا. تعودنا على مر القرون، حتى في بيوتنا، أنه لا يحل لنا أن نفكر فأصبحت عقولنا مدجنة مستأنسة وجاهزة للذبح والأكل· ليست لعقولنا تلك المرونة الذهنية والطواعية اللازمة في الكثير من الشؤون التي تتطلبها الحياة في هذا االعصر. عقولنا طاقة معطلة لا نستخدمها إلا في أضيق الحدود لقضاء شؤون المعيشة اليومية وشراء المقاضي· مشكلتنا ليست في عقول الأفراد لكنها في الضمير الجمعي، في العقل الجمعي، في قيم الأمة ومسلماتها وفي نظرتنا للكون والوجود بشكل عام.

لو نتصالح مع العقل لحققنا الشيء الكثير. هذا هو عنق الزجاجة الذي لو تخطيناه لانداحت أمامنا فضاءات الزمان والمكان بكل إمكانياتها واحتمالاتها، العقبة الكأداء التي لو تمكنا من تجاوزها لاستطعنا أن ننطلق ونحلق ونبدأ البحث عن حلول عقلانية ومنطقية لبقية أزماتنا. لو تصالحنا مع العقل لما عادت بنية الذهن عندنا تشوبها شوائب الفكر الخرافي وتغلب فيها الاتكالية والإيمان بالمعجزات على الإيمان بالعمل وتحمل المسؤولية الفردية· العقل هو السلاح الناجع ضد تسطيح الأمور وضد مآزق العنف والتشنج وموجات الإرهاب والتطرف ومنهجية الثورات والانقلابات·

إننا نستورد عقولا ومنتجات عقلية من الخارج باهضة التكاليف، بينما عقولنا مقيدة ومحاصرة صراعات هذا العصر صراعات عقلية قبل أن تكون مسلحة. يمكن لأمة أن تغزو أخرى بفكرها دون اللجوء للسلاح· هذا النوع من الصراع العقلي لا يواجه بالبنادق والشعارات بل بالعقل والعلم والأفكار النيرة· إننا في عصر صراع الحضارات فلا بد لنا من تمرين عقولنا وتعويدها ومن أن نبدأ الانطلاق والعمل لنشكل حضارة قادرة على خوض الصراع.

 
 







  

<<Previous   |  All Articles  |  Next>>