Please enable JavaScript in your browser preferences and then Reload this page!!!

الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

ثرواتنا الفنية متى نلتفت لها

سعد الصويان

من أخصب المواضيع التي طرقها شعراؤنا الشعبيون ومن سبقهم من شعراء العرب موضوع الرحلة والرحيل. لو غصنا إلى أعماق هذا الموضوع بجميع أبعاده الوجدانية والرمزية لوجدناه في حقيقته يشكل دراما إنسانية مستوحاة من تجربة الحياة الرعوية وتعكس الحس الفني لابن الصحراء على فطرته وسجيته. لكم تمنيت لو أتيح لكتابنا ومنتجينا السنمائيين والمسرحيين أن يستقرأوا ما قاله شعراؤنا في موضوع الرحلة والرحيل ويستنبطوا من ذلك نصوصا خالدة وأعمالا فنية شامخة ترصد لها أحسن الإمكانات المادية والبشرية.

تصور معي رحيل المحبوبة مع قبيلتها بقضها وقضيضها في موكب احتفالي ضخم يأخذ العقل ويبهر اللب كما يصوره الشاعر ويعكسه الواقع. الحسناوات في هوادجهن ترشق الحاظهن سهام العشق نحو الفرسان الملثمين الذين يمتطون الجياد ويتمنطقون بالسيوف وبأيديهم الرماح يزين أسنتها ريش النعام وأعيان القبيلة وفتيانها يعتلون الركائب النجيبة بأعناقها الطويلة وقوائمها الرشيقة. ولا تنس "الميركه" و "السفايف" و "الخرج" التي اعتاد البدوي أن يزين بها راحلته والتي تفنن في وصفها والتغني بها شعراء البادية قديماً وحديثاً ويسمونها "دشن" أو "دل".

          علون بأنماطٍ عتاقٍ وكلّةٍ                         وِرادٍ حواشيها مشاكهة الدم

          وورّكن في السوبان يعلون متنه                 عليهن "دل" الناعم المتنعّم

          وفيهن ملهى للصديق ومنظرٍ                     أنيقٍ لعين الناظر المتوسّم

          كأن فتات العهن في كل منزلٍ                   نزلن به حب الفنا لم يحطّم

تصور لو أتيح لك أن تشاهد هذا المنظر الرائع الذي تفننت قرائح الشعراء في تصويره وقد أبدعته عدسة مصور سينمائي قدير على شاشة بانورامية ضخمة بما يصحب ذلك من جلبة وضوضاء يختلط فيها الصوت القريب بالبعيد وصوت الحادي مع المنادي وصوت الإنسان مع الحيوان. تحف بهذا التجمع البشري المتحرك قطعان الماشية من الإبل والشاء بثغائها ورغائها تعلو الوهاد والنجاد وتسد الأفق على مد النظر. البعض منها علقت في أعناقها أجراس الماو التى ترن على وقع خطواتها. وليتخلل ذلك مشاهد من الصيد والطرد التي يصور فيها الشاعر فتيان القبيلة تعدو بهم الخيول وتتبعهم كلاب الصيد والصقور على أوكارها يلاحقون الطرائد من الظباء والنعام وطيور الحبارى. يتم ذلك وسط مناظر من الطبيعة الصحراوية الخلابة وقت الربيع برياضها المزهرة العطرة وغدرانها العذبة الرقراقة ومراعيها المعشبة ورمالها العسجدية وجبالها الشماء. وقد تأتي السنين المجدبة ويغبر وجه الأرض وتثور العواصف وتقسو الطبيعة على الإنسان بقرها وهجيرها. وبعد طول عناء وتعب ونصب تتوقف القبيلة عند أحد الموارد فتنصب النواعير على الأبار لمتح الماء على صوت الأحديات ليشرب الناس ويسقوا ماشيتهم. ولا ننس ساحة الوغى وميدان النزال وما يجري فيه من مشاهد الكر والفر والمبارزات المثيرة وسوق الغنائم والصبايا الجميلات يشجعن أبناء القبيلة بالزغاريد والأهازيج.

وإن أردت أن تضيف بعدا أخر لهذه المشاهد الاحتفالية فلنصطحب أحد القوافل عبر الصحراء وبمحاذاة أحد الضواحي وقد زمت فروع نخيلها بطلعها الزاهي وعلت على الأسوار، وصوت السانية يصدح ليسقي بساتينها الخضراء. ولنتوقف عند أحد الأسواق الموسمية والتي لا زالت على عهدها منذ أيام عكاظ وقد أتى إليها الناس زرافات ووحدانا من كل صقع ومن كل قبيل. البعض يعرض بضاعته، والبعض تعجبك سنحته، كل يلهج بلهجته ويتبختر بزيه المتميز. الرجال شاكي السلاح والنساء تزين معاصمها الحلي ونقوش الوشم والحناء. مشاهد تنبض بالحياة وتعج بالحركة والألوان.

          السوق بعجبني الى شفت ظوله                  مثل النظيم المختلف عن مثيله

          ذولا لهم حاجة وذولا بدوا له          يلهون راع الوارده عن قبيله

لعل القارىء قذ لاحظ أنني لا أتحدث هنا عن الفن بمفهومه الضيق المحدود بل بمعناه الأعم والأشمل. إنني في الواقع أتحدث عن الحياة الشعبية في الجزيرة العربية من جميع زواياها. لكن الحياة الشعبية، وهذا ما قصدت التلميح له والإيماء إليه في الأسطر السابقة، تنضح بالفن وتترصد مواطن الجمال وتقبل المعالجة الفنية في كل وجه من أوجهها وفي كل نشاط من نشاطاتها كما تصور ذلك لنا مواضيع أدبنا الشعبي ومضامينه. كل ذلك يبين لنا مدى احتفاء الناس عندنا عموما بالفنون الشعبية على اختلاف أجناسها ومدى تذوقهم لها وإقبالهم عليها. كل فن من فنوننا يرتبط ارتباطا مباشرا بحياة الناس وله وظيفة ملموسة في المجتمع. من المعروف أن الأعمال اليدوية غالباً ما تكون مصحوبة بأبيات يرتجلها العاملون ويتغنون بها وفق إيقاع موسيقي يساعدهم على ضبط حركاتهم، بل يساعد حتى في تنظيم عملية التنفس وتبادل الأكسجين مع ثاني أكسيد الكربون في الجسم. هذا يعني توفير الجهد والطاقة وضبط الزمن. مثلاً الغناء أثناء التجديف في البحر يساعد على تزامن حركة المجاديف. والغناء أثناء حرث الأرض يساعد على تزامن وقوع المساحي. والبناءون الذين يناولون بعضهم الطوب عن بعد يساعدهم الغناء على ضبط التوقيت وقوة الدفع بحيث لا تقصر الطوبة عن غايتها ولا تتعداها فيختل العمل أو يحدث ما لا تحمد عقباه. لذا وجد الغناء مع الإنسان منذ أن درج على وجه المعمورة ولازمه في جميع شؤونه، حتى في الممات تنوح عليه النائحات.

الفنون الغنائية والحركية في المجتمعات التقليدية مرتبطة بدورة الحياة، دورة حياة الفرد وما يمر به من أطوار أثناء سني عمره ودورة حياة المجتمع خلال عبوره من موسم لآخر على مدار السنة. ارتباط الغناء والرقص بالعرس معروف. وحينما تلد المرأة فإنها تغني لطفلها في الأشهر الأولى وهي ترقصه لتشد بنيته أو وهي تهدهده لينام. وبعدما يكبر قليلاً تغني له وهي تدربه على المشي "هدا هدا، مشي القطا، وقْطيّتينٍ بالخلا". ألا تذكرون مثلاً حينما كانت الفتيات الصغيرات يسرّحن شعورهن ويلبسن الخلاخيل والبرابيش وتضع الواحدة يدها على كتف الأخرى في صف منتظم وتجلجل البرابيش مع وقع الخطى الجميلة ويرددن بصوت واحد.

                             أنا إيه وانا لا

                             أنا تمر وبسر حلا

                             انا تفاح الشامي

                             أفشّق بالصياني

                             من شافن اشتهاني

ومن الملفت للنظر في الفنون الحركية والموسيقية في جزيرة العرب تباينها واختلافها تبعا لاختلاف مناطقها الجغرافية ومناسباتها الاجتماعية وسياقاتها الأدائية. لكل منطقة من المناطق ولكل جماعة من الجماعات ألوانها الفنية، ولكل لون من هذه الألوان زيه المختلف وألياته الخاصة وتصميمه الكوريوغرافي المتميز. وهي في الغالب الأعم فنون ليست بسيطة بل مركبة في أنغامها وإيقاعاتها وحركاتها وخطواتها وغنية بعناصر الاستعراض المسرحي. والكثير منها جماعية في أدائها وفي سياقها ومناسباتها تعبر عن تكاتف الجماعة وترمز إلى وحدة المصير يحتاج أداؤها إلى حشد كبير من المشاركين. هذا مما يضفي على ثقافتنا وفنوننا الشعبية عمقا وتلوينا وتنويعا ينأى بها عن الرتابة المملة الباهتة ويجعل منها مادة ملائمة ومنبعا ثرا لا ينضب للفنون المسرحية الاستعراضية. هذه ثروة فنية ينبغي استنباطها واستلهامها وتوجيهها لخدمة أهدافنا وقضايانا القومية والثقافية. كم من الأمم تتمنى لو أن لها بعض ما لدينا من الفنون الشعبية لتطوعها وتخلق منها مسرحا شعبيا وفرقا استعراضية. وهناك العديد من الدول لها تجارب عريقة وحققت نجاحا باهرا في هذا الميدان يمكننا أن نقتفي أثرها ونحذو حذوها. ومن بين الدول العربية تلعب مصر ولبنان دورا رياديا لا يستهان به في مجال الرقص والغناء الشعبي، وأخص بالذكر المسيرة الفنية المتميزة للأخوين رحباني في لبنان وفرقة علي رضا في مصر. ولقد غنت هذه الفرق ورقصت وبهرت الجماهير وانتزعت إعجابهم في أرقى مسارح العواصم الشرقية والغربية وقدمت أبلغ دليل وأنصع برهان على رقي الشعوب التي جاءت تمثلها.

 







  

<<Previous   |  All Articles  |  Next>>