Please enable JavaScript in your browser preferences and then Reload this page!!!

الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

ما قالته الفرشة للمسواك

سعد الصويان

الاقتداء برسول الله من دلائل الإيمان الصادق. لكن المشكلة تكمن في التشبث الحرفي الذي يفتقر إلى البصيرة ولا يميز بين التقليد لمجرد التقليد وبين استخلاص المعنى الأسمى من أقوال الرسول وممارساته. حينما يحثنا العلماء على اتباع هدي النبي فإن المقصود بذلك ليس مجرد تقليده بصورة آلية وإنما تدبر أعماله والبحث عن الحكمة منها لنضع هذه الحكمة نصب أعيننا لتوجه سلوكنا وتنير طريقنا ونهتدي بها في حياتنا. ظاهر الأعمال، وأنا هنا أتحدث عن السنن والنوافل، لا فضل لها إلا في تكريس الحكمة من ورائها والمتمثلة في زرع الفضيلة وتقويم السلوك وتهذيب الشخصية.

لنتدبر الحديث الشريف: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة. ظاهر الأمر أن الرسول يحث أمته على السواك، أما المقاصد الشرعية وراء هذا الأمر فهو الحث على العناية بالفم والأسنان لتبقى نظيفة وصحيحة وفي حالة جيدة ولإزالة رائحة الفم الكريهة. في عهد الرسول لم يكن هناك من وسيلة لتحقيق هذه الغاية سوى المسواك. أما في وقتنا الراهن فقد ظهرت وسائل أفضل بكثير، أعني الفرشة والمعجون.

دعونا نفترض أن الفرشة والمعجون كانت موجودة في عهد الرسول، ألم يكن صفوة الخلق الذي يبحث دوما عن الأفضل لأمته ليوصي باستخدامها بدلا من المسواك! الرسول ليس هو أول من ابتدع السواك، بل كان موجودا قبل البعثة كما تشهد على ذلك أبيات الغزل في الشعر الجاهلي في معرض التشبيب بالحبيبة ووصف بياض أسنانها ورائحة فمها الزكية. أى أن الوسيلة هنا لتحقيق المقصد الشرعي مسألة دنيوية بحتة ولو وجد الرسول في وقته ما هو أفضل منها لأمر به. ومع ذلك يصر بعض الدعاة في برامجهم الفضائية، ومعهم بعض الأطباء، على تضخيم مزايا المسواك بشكل مبالغ فيه يكاد يحوله إلى شيء مقدس في ذاته، إلى فِتِش fetish، وكأنهم يريدون صرف الناس إليه بدلا من الوسائل الحديثة الأكثر فعالية في تنظيف الفم والأسنان. لا اعتراض على الجانب الروحي في المسألة واستخدام المسواك عند الصلاة والصوم والحج والمناسبات الدينية الأخرى اقتداء بسنة رسول الله. الاعتراض هو على محاولة التغرير بالبسطاء من الناس والخلط في ممارسات ومفاهيم الصحة والمرض، لما في ذلك من الضرر البالغ على المسلمين.

قد تقول لي إن السواك قضية فرعية لا تستحق هذا العناء، لكني أقول دع عنك هذا وعدِّ القول في قضايا أهم، مثل مسألة الرؤية، رؤية الهلال. لماذا لا يزال يصر البعض على وجوب رؤية الهلال بالعين المجردة بدلا من الوسائل الحديثة التي هي أكثر دقة وموثوقية! لو كانت هذه الوسائل الحديثة متاحة في زمن الرسول، أو لو أنه كان يعلم أنها ستأتي ونهى صراحة عن الاعتماد عليها بدل العين المجردة، لسلمنا بالأمر. إن عدم وجود الأشياء الحديثة في عهد الرسول والصحابة واعتمادهم على بدائل بدائية لسد الحاجة لا يعني تحريم المنجزات الحديثة. أم أنهم يريدوننا أيضا أن نخوض حروبنا بالرمح والسيف ونسافر على ظهور الخيل والإبل كما كان يفعل الصحابة والتابعين! سوف يأتي يوم يستقر فيه كل الناس في المدن والمراكز الحضرية وتعم الكهرباء كل البلاد ويصبح من المتعذر رؤية الهلال. كم من التوتر والإرباك والأضرار يمكن تفاديها لو اعتمدنا على الأقمار الصناعية والوسائل الفلكية الحديثة في تحديد الرؤية.

في الماضي كانت العلوم والمعارف محدودة لدرجة أن فيلسوفا مثل أرسطو أو فقيها مثل الغزالي كان بمستطاعه الإحاطة بعلوم عصره والإدلاء فيها بدلوه وإبداء رأيه. أما الآن فقد توسعت العلوم وتشعبت مجالات المعرفة وتعددت التخصصات وتداخلت وتعقدت بحيث أصبح من المتعذر على شخص واحد أن يلم بها كلها، وصار من الضروري كل ما واجهت الدول أو المؤسات مشكلة من المشاكل من تشكيل لجان من المختصين في مختلف المجالات للخروج برأي صائب أو حل مناسب. ولا ضير على فقهائنا لو أنهم كلما عرض لهم عارض من مسائل الدنيا عرضوه على المختصين لأخذ رأيهم فيه قبل المسارعة إلى تحليله أو تحريمه، واضعين دوما نصب أعينهم ما فيه عزة الأمة وقوتها وتحقيق مصالحها. قبل أن نتحدث عن حوار الحضارات دعونا أولا نتحدث عن حوار العلم والدين. ليس في مصلحة الأمة ولا من خدمة الدين في شيء أن يصر الفقهاء على إدخالنا في صراع مع منجزات العلم وتقنياته الحديثة ويرفعون شعار المنع والتحريم بمناسبة وبدون مناسبة. فما أكثر ما حرموا أشياء وأنكروها في البداية واضطرهم فقه الواقع في النهاية إلى التسليم بها وإجازتها، ولكن، في كثير من الأحيان، بعد فوات الأوان وبعد أن حصدت الأمم الأخرى المكاسب واستقوت بها علينا ولم تترك لنا منها إلا الفتات. إن وقوفنا في وجه التطور العلمي والمكتشفات الحديثة هو الذي أوصلنا إلى هذا المأزق الحضاري والوجودي وهذه الحالة المزرية وجعلنا عالة على الأمم الأخرى نعتمد على معارفها ومخترعاتها وتقنياتها ومنجزاتها في كل شأن من شؤوننا.

جزء من الإشكالية التي نواجهها في نظري يتلخص في الخلط بين ما يصدر من أقوال وأفعال عن محمد النبي المرسل الذي خلت من قبله الرسل وما يصدر عن محمد الإنسان الذي أمره الله أن يقول لقومه "إنما أنا بشر مثلكم". أفعال وأقوال محمد الإنسان محدودة بمعطيات زمانه ومكانه. أقوال وأفعال محمد النبي الرسول حقائق مطلقة لا يحدها الزمان والمكان. وعلينا أن نتمعن دائما في المغازي الأعمق والمضامين الأسمى لرسالة الدين بدلا من التشبث بالشكليات والقشور. كما أن علينا التمييز في الدين بين ما يتعلق بشؤون الحياة الدنيا وما يتعلق بشؤون الحياة الآخرة. ما أقصده بشؤون الدنيا هو تلك التدابير المادية التي يجب على المسلمين اتخاذها للحفاظ على استمرار بقاء أمة الإسلام وعلى تعزيز هيبتها وقوتها في هذه الدنيا وإعلاء شأنها مكانتها في هذا العالم، والذي من أجله نهانا الرسول عن أن نكون مجرد نساك وزهاد ودراويش. ينبغي لنا أن نسعى وبسرعة إلى تعزيز الحوار والتفاهم وإنهاء الخلاف والشقاق بين من يريدون للأمة الخير في الدنيا وبين من يريدون لها الخير في الآخرة.

 







  

<<Previous   |  All Articles  |  Next>>