الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

 

جبّــة رمز الكرم

 

جبة موقع مشهور ذكره المؤلفون القدامى، وقال نصر: "جبة ماء بأعلى رمال عالج من ديار بحتر من طيء"· ورمل عالج هو ما نسميه اليوم النفود· وتقع جبة وسط النفود على الطريق بين دومة الجندل وحائل، وهي إلى حائل أقرب وتبعد عنها حوالي 100 كيلو مترا إلى الشمال منها· ولوقوع جبة في رمل عالج حيث تكثر بقر الوحش كثر تمثيل الشعراء بوحشها، ومنه قول الطرماح:

              من وحش جبة أودعته نيّة                    للناطليّة من لِوى البقار

وقال بشر بن أبي خازم يذكر جبة:

              فما صدع بجبة أو بشرج                     على زلقٍ زمالق ذي كهاف

ويرد ذكر جبة كثيراً في كتابات الرحالة الغربيين أمثال ويليام بالجريف، ليدي آن بلنت، جورج اوغست والن، كارلو جوارماني، الاويس موزيل وغيرهم· وجميعهم يئنون على كرم أهل جبة وطيب شمائلهم ويتغنون بهوائها النقي ومائها العذب وحدائقها الغناء وطبيعتها الخلابة في وقت الربيع حينما تكتسي رمالها الذهبية بالضمران والفِرْس والعاذر والنصي وشجيرات السمر· وأهالي جبة يفتخرون بما يحيط ببلدتهم من مواقع خصبة وكثبان رملية ناعمة نقية· ومما يروى أن عجلان بن رمال نزح إلى بلاد الشام فترة من الزمن ثم بعد ذلك قرر العودة إلى النفود، موطنه الأصلي، فطلبت منه زوجه أن يشتري لها قطيفة من سوريا فقال مشيراً إلى أن النفود هو قطيفتهم:

              الله لحد ياعند أهلنا قطيفه                     مدٍّ من الله لاشرانٍ ولا بيع(1)

              ما ينتغطى به فراش لطيفه                    والزمل ماتقواه لو هي مرابيع

وماء جبة يضرب به المثل في عذوبته كما ذكر ذلك دغيّم الظلماوي من الشلقان من الزميل من سنجاره في قصيدته المشهورة التي يقول فيها:

              ياكليب شب النار ياكليب شبه                  عليك شبه والحطب لك يجابِ(2)

              نبي ليا شبيتها واشلهبه                         تجذب لنا ربعٍ سراة غيابِ

              اطمر لهم وابدي سلام المحبه                 لى دبّر الهيّن متين العلابي

              سلامٍ احلى من شهاليل جبّة                    واحلى من السمن الجديد العرابي

ويكثر الشعراء من ذكر جبّة كما في قول بصري الوضيحي:

              لعل جبّة ما تجيها المراهيش                   تمحل ثمان سنين حيثه هويً لي

              اللي سعت بفراق ضافى العكاريش             اللي سعت ياحمود بفراق خلي

              أنا عضيض الغلث لو قيل ما بيش              والاربعين مقرّبٍ حتنهن لي(3)

              أمشي على عيون العرب كن ما بيش          ومن داخلٍ ما خاطري مسفهليّ

وتقع جبّة في سهل فسيح منبسط بيضاوي الشكل تحيط به الرمال من جميع الجهات· وقدرت الليدي آن بلنت عرض هذا السهل بحوالي ثلاثة أميال وقالت أنه من المحتمل أن يكون قاع بحيرة في الأزمنة الجيولوجية القديمة· وإلى الغرب من جبة يقع جبل أم سنمان الذي يزيد ارتفاعه على 500 قدم حسب تقدير الرحالة جورج والن ويحتوي على نقوش وكتابات قديمة· وسمي هذا الجبل أم سنمان لأن له عدة شعاف ترتكز عليه كما يرتكز السنام على البعير· وإلى الشرق من جبة يقع جبل الغوطة وهو أقل ارتفاعاً عن أم سنمان، وقدر والن المسافة بينهما بحوالى 10 أميال·

ويذكر الرحالة ألاويس موزيل أنه زار جبّة حينما كان أميرها نايف بن عتيق وكانت تتكون من حارتين أحدهما تسمى قصر الفرحان وتشتمل على 25 بيتاً والأخرى تسمى قصر الخطبا وتشتمل على 20 بيتاً·

ويمر الطريق من حائل إلى جبة بقرية قْنا التي تقع على حافة النفود الجنوبية والتي يفصلها عن جبة كثبان رملية هلالية الشكل تتراوح تكويناتها حسب تعبير أهل المنطقة بين "الفلوق" و "القعور" و "النوازي"· ويقول موزل أنه حينما زار قنا كان أميرها عيادة بن عبيكة وخلف القنيعي كان أمير أم القلبان وهي بجوار قنا· وأهل قنا ينتسبون إلى آل علي بينما ينتسب أهالي جبة إلى آل محمد والجميع من الرمال الذين يعودون إلى الغفيلة ثم إلى سنجارة من شمر· وجميع الرحالة الذين مروا في طريقهم من جبة إلى حائل أعجبوا أيما إعجاب بهذه القرية الوادعة الجميلة وأثنوا على أهلها الذين يتميزون بكرم الضيافة وطيب المعشر·

ومن أهالي جبة الذين اشتهروا بالشجاعة والكرم وسداد الرأي في الزمن القديم الأمير مصيخ بن فرحان من الفرحان من أمراء جبة وكذلك مبارك الخطيب الذي كان معاصراً للأمير مصيخ· ومن قصائد مبارك الخطيب قوله معرضاً بأحد المناوئين:

              جبّة كما سيفٍ قضبنا نصابه                    شلقٍ لأهلنا يوم ترعى للاجناب(4)

              باطرافها نشدي صريخ الذيابه                  ونجسّر اللي من جماعاتنا هاب

              شبر من الملح المصفى صوابه                بجلود من جانا للاوطان كساب

              حنا كما داب ليا عض نابه                     خطر عليه يموت وان عاش ما طاب

ومن قصائد مصيخ قوله بعد أن أردى أحد غرمائه قتيلاً:

              سِدِيت بيسراي مثل الغديرِ                      وورّدت بيمناي مثل المصلي(5)

              واقرش كما يقرش سواة الحجيرِ               ياصار مرحاله بعيدٍ مولي(6)

              هذاة حق اللي يحطّن نحير                     وانا اطلبه حق العرب ما حصلي لي(7)

 

 

وله من قصيدة طويلة:

              ناديت باذن جديع وادنى هجينه                  نسري ليامنّه هبا ميّت النار(8)

              نخيت قومٍ ما يبيّح كنينه                         قال احتزم بمصقّل يجلى الامرار(9)

وكانت نهاية مصيخ نهاية مأساوية إذ فتك وحش مغلوث (مصاب بداء الكلب) بأهالي جبة وروعهم فطلبه مصيخ ليقتله ويريح الناس من شره مفادياً بنفسه رغم خطورة الموقف· وفعلاً تمكن من قتله إلا أن الوحش قد عضه قبل أن يقتله ومات متأثراً بتلك العضة· وحينما قربت منيته وتيقّن أهله أنه ميت لا محالة بنوا له حجيراً خارج البلدة وعزلوه فيه، فقال يتأسف ويتذكر:

              كلّيت أنا ياخليف من مقعد الدار                من مقعدي بين الشرف والركادِ(10)

              هذاة لي من يوم طيحات الامطار               وانتم تعدّون الليالي عدادِ(11)

              عضّني غليثٍ بيثناياه الاطرار                  وادعيت راسه يالسنافي تواديِ(12)

              لاذيب لامغلوث ضاعن الابصار                ياخضير من همّه يشيب السوادِ

              شفي مع الغلمان عجلين الاذخار              هل الستاتيات سقم المعاديِ(13)

              يادار عن جالك ندوّر لنا دار                   يادار خطوات الرشابيك غاديِ

              أخاف انا يادار وان جاك خطّار                أخاف ما يلقى الاسمايا رمادِ(14)

وفي زمن مصيخ بن فرحان لجأ عبدالله بن رشيد إلى جبّة وزبن عند أهلها بعد أن ضايقه آل علي في حائل وقد خلد ابن رشيد هذه الحادثة في قصيدته التي يقول فيها:

              ياهيه ياللي لي من الناس ودّاد                ماترحمون الحال ياعزوتي ليه

              ما ترحمون اللي غدى دمعه بْداد              طال الزمان وحرّق الدمع خديه

              من شوفتي للغرو مركوز الانهاد               متمشلح ياطا على اقدام رجليه(15)

              الشوك ماله عن مواطيه ردّاد                 ايضا ولا سبتٍ قوي يوقّيه(16)

              جبّة سقاه من اول الوسم رعّاد                ما طالعت خشم أم سنمان يسقيه

              حيث انها للمنهزم دار ميعاد                   من لاذ به عد الحرم لايذٍ بيه

              ومصيخ بن فرحان ياعرب الاجداد             كل العساكر نكّسه تتلى البيه(17)

ومصيخ بن فرحان من الذين ورد ذكرهم في قصيدة مشهورة للشاعر عدوان الهربيد من السويد من شمر وتسمى الشيخه والتي وجهها إلى ابن عمه سْعيد وأحصى فيها أربعين فارساً من فرسان العرب الذين تميزوا بالشجاعة والكرم وقول الشعر ومنها:

              ذرّب جوابك يافتى الجود ياسعيد               عن قولة ثاري سعيد استزالي(18)

              عميت بالساية جميع القواصيد                 ماقلت بالشعار طامن وعالي

              عمّيت نمر والمهادي وابازيد                  عز الظعن حبس الكمين الهلالي

              ومشاعان والطيار وعقاب وعبيد              وعبدالله المصطور ماضي الفعال

              والعسكري ومصيخ وهديب ورشيد             وحسين حمّاي الركاب التوالي(19)

هذا وقد زرت جبّة بنفسي في أكثر من مناسبة· وكل مرة أزورها أزداد إعجاباً بكرم أهلها واريحيتهم· لا يحس الضيف عندهم بوحشة ولا غربة· وقد وجدت جبة قرية جميلة هادئة وادعة يحتضنها النفود، لم يصلها الهاتف ولا التليفزيون ولا الطرق المعبدة· ولايزال أهلها متمسكين بعادات العرب الحميدة يتجمعون في القهاوي يوقدون نار الغضا ويحمسون القهوة ويدقونها بالهاون ويقضون وقتهم في سرد الحكايات ورواية الأشعار· وبالرغم من عدم وجود الطرق المعبدة عندهم إلا أن لهم خبرة ومهارة لا يجاريهم فيها أحد غيرهم في قيادة السيارات عبر كثبان النفود ورماله الناعمه· ومنذ مدة تم إنجاز خط معبد يصل جبة بحائل· كما سمعت أن الهاتف وصل هناك وقريباً سيصل التليفزيون·

وهكذا تطوي جبة صفحة من صفحات الماضي المجيد وتفتح صفحة من صفحات الحاضر الزاهر والمستقبل الباسم بإذن الله·

 


 

(1) شران: قصرت الكلمة بعد إسقاط الهمزة ثم ألصقت بها نون التنوين الأصلية وأصبحت جزءاً منها لا ينفصل عنها مما دعى إلى إلحاق نون تنوين أخرى، وهذه من خصائص لهجة شمر·

(2) اشلهبه: اشلهبت، وكثيراً ما يقلبون التاء الأخيرة إلى هاء بلهجة شمر.

(3) يعتقدون أن عضيض الغلث بعد أربعين يوماً ينبح ويموت.

(4) شلق: نصيب، سهم.

(5) سديت: مدّيت· الغديري: يصف باروده الفتيل يقول إن حديدتها كالغدير الزلال في صفائها ورونقها· والبيت يصف طريقة اطلاق النار من بندقية الفتيل وأن الرامي حينما يضغط على الزند فإن الديك الذي فيه الصَّلى يرد على البارود مثل المصلي حينما يسجد· وهذا يشبه قول محمد بن فهيد المري·

            كن الحنش فيها يهوش بروضه                   كن لونها لون النبات المالي

            مشقاصها مهوب يجنب حوضها                  مثل المصلي بالركوع التالي

(6) أقرش: طاح، وقع· الحجير: بيت الشعر الصغير.

(7) هذاة: اسم اشارة بمعنى هذا· غير: خصم.

(8) هبا: تقاعس وخاف· ميت النار: عديم الهمة.

(9) نخيت: استصرحت.

(10) الشرف والركاد: السهل والحزن.

(11) هذاة: هذا·.

(12) توادي: قطع.

(13) عجلين الاذخار: يذخرون بواريدهم بسرعة· الستاتيات: بنادق الفتيل.

(14) أي أن الموت لا يهمه ولا يخاف منه ولكنه يخاف بعد أن يموت ألا يجد الوافد إلى بيته من يقوم بإكرامه ويقدم له واجب الضيافة.

(15) متمشلح: ضم أردان ثوبه وعقدها وراوعنقه.

(16) سبت: حذاء من الجلد الرقيق.

(17) لأن مصيخ رفض تسليم عبدالله بن رشيد لعساكر الترك.

(18) استزالي: زال وأخطأ·

(19) المقصودون هم: نمر بن عدوان ومحمد المهادي واباز بدال الهلالي وشعان ابن هذال وكنعان الطيار وعقاب العواجي وعبيد بن رشيد وأخيه عبدالله والعسكري من فرسان الرولة ومصيخ بن فرحان وهديب ابن صبيح وحسين الذنيب كلاهما من قبيلة السويد من شمر.

 
 

<< الصفحة السابقة  |  مقالات صحفية في الأدب الشعبي  |  أعمال قيد النشر  |  الصفحة التالية >>