Please enable JavaScript in your browser preferences and then Reload this page!!!

الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

سوق الأسهم: شعْط ومَعْط

سعد الصويان

من منكم يذكر حينما كنا نقرأ في كتاب المطالعة المدرسية، قبل تحديث المناهج، نصا يتحدث عن شيخ كبير يرقد في فراشه وإلى جانبه هراوة غليظة وفوق رأسه معلّق جرة عسل ينوي جلبها غدا إلى السوق ليبيعها· وفي تلك الليلة "قِزَت عينُه" ولم يغمض له جفن لكثرة ما كان يفكر في المبلغ الذي سيقبضه ثمنا لجرة العسل· وسرح في الخيال وصار يفكر كيف سينمي هذا المبلغ الزهيد ليصبح ثروة طائلة تعينه على بناء منزل مريح ويتزوج امرأة جميلة تلد له ولدا مطيعا يربيه تربية صالحة· وسرح الرجل في الخيال وأحلام اليقظة ونسي نفسه وصار يفكر ويخطط كما لو أن أحلامه تحولت فعلا إلى حقيقة واقعة وصار يتكلم مع ولده المتخيَّل ويأمره وينهاه وينهَره، وفي لحظة غضب أهوى عليه بالهراوة ليؤدبه، ولكن بدلا من أن تقع الهراوة على رأس الولد الذي لم يولد أصلا وقعت على جرة العسل فكسرتها وسال ما فيها من العسل على ذقن الرجل، وهكذا في طرفة عين تبددت أحلامه، وانطبقت عليه مقولة الشاعر الفيلسوف بديوي الوقداني: انقطعت السبحه وضاع الخرز ضاع·

هذا هو حال المتورطين عندنا في سوق الأسهم· يصبح الواحد منهم مليونيرا ويمسي شحاذا· هناك أناس جرّهم الطمع إلى أن الواحد منهم "يبيع ما وراوْه وما دونه، حتى عشا العيال" ويضع كل ما يملك في سوق الأسهم· أسمع عن أناس باعوا مصانع ومؤسسات عاملة تدر أرباحا لا بأس بها ووضعوها في سوق الأسهم، هذا عدا من باع منزله أو سيارته أو الخمسين ألفا التي كان ينوي دفعها جهازا لشريكة العمر، ثم وضع كل ذلك في محرقة سوق الأسهم التي تحرق أموال المساهمين "وتقول هل من مزيد"· هذا الاندفاع المتهور الذي يفتقر إلى التخطيط واحتساب المخاطر والركون، بدلا من ذلك، إلى الحظ والصدَف، سمة ثقافية يعاني منها مجتمعنا، وقد عبر عنها عبيد العلي الرشيد في قوله:

اضرب على الكايد الى صرت بحلان// وعند الولي وصل الرشا وانقطاعه

امّا تجيب عقود حصٍّ ومرجان// والا فهي لابليس طار بشعاعه

ما يحدث في سوق الأسهم هو استمرار لممارسات الغزو التي كانت سائدة بين القبائل حتى وقت ليس بالبعيد، وهو ما كانوا يسمّونه "مْناتف الوبره" أو "مْمازع الوبره"، والوبره تعني الإبل والمناتف أو الممازع هو السلب والنهب المتبادل الذي كان يتم من خلال الغزوات الخاطفة، أو ما كانوا يصفونه بأنه "شعْط ومعْط"· في ظل تلك الظروف، كان من الأمور العادية عندهم أن يصبح الإنسان غنيا يملك قطيعا من الإبل فينهبه الغزاة ويمسي لا يملك شيئا· كما أن المعدم منهم لا يفقد الأمل من أن يتمكن في غزوة خاطفة من نهب قطيع شخص آخر، وهكذا هي حال الدنيا عندهم: يوم لك ويوم عليك· هذه العقلية في التعامل مع سوق الأسهم هي التي حولته من سوق للاستثمار إلى سوق للمضاربة وحولت صالات التداول إلى صالات قمار، بل ساحة معارك بين أسماك القرش والساردين· غياب الوعي الاستثماري لدى البسطاء من صغار المتعاملين أتاح الفرصة أمام كبار المضاربين لشن غاراتهم الخاطفة و"كنس" مكتسبات هؤلاء المتعاملين الصغار·

التذبذب الحاد في أسعار الأسهم بين طلوع يلامس النجوم وانخفاض يهوي إلى الحضيض أفقد الكثير من المتعاملين توازنهم وسلبهم القدرة على التفكير السليم واتخاذ القرارات الصائبة فأصبحوا فريسة سهلة للإشاعات وعمليات غسيل المخ التي تبث من خلال رسائل الجوالات والمنتديات والساحات، ليس فقط فيما يتعلق بالتداول من بيع وشراء بل حتى فيما يتعلق بتشخيص السوق وتحديد المسؤولية عما يحدث فيه· ولعل مما فاقم الوضع ندرة المحللين الماليين المحترفين من ذوي الخبرة والكفاءة ممن لديهم الأدوات التحليلية التي تمكنهم من وضع الأصبع على الجرح· نعم هناك وجوه كثيرة تطالعنا على الشاشات ولكنهم، كما يقول المثل: من قل الرجال صرت رجل· فغالبيتهم لا يفقه في هذا المجال، ومنهم من له مصلحة في توجيه الرأي العام هذه الوجهة أو تلك، ويدور الحديث في المجالس أن البعض من هؤلاء المحللين له ارتباطات مع كبار المضاربين، والبريء منهم ينطبق عليه مثل حلم الضبعة حينما سألوها هل ستمطر غدا فقالت حلمت أنها قد تمطر وأنها قد لا تمطر، فإذا شلّع السوق طاروا معه بالعجه وإذا طاح طاحوا معه، والمساهم المسكين عينٍ للتراب وعينٍ للغراب·

سوقنا المالية بخير لكنها في هذه المرحلة تخوض معركة شرسة يمكن تشخيصها بأنها "مكاسر عصيّ" بين كبار المضاربين الذين لا يهمهم إلا جيوبهم، غزاة القرن الواحد والعشرين الذين يريدون الاستمرار في شن غاراتهم الخاطفة على بقية المستثمرين، وبين هيئة سوق المال التي تريد أن تفرض قدرا معقولا من الانضباط وتؤسس بيئة استثمارية آمنة وقواعد عادلة لهذه اللعبة الجديدة علينا· لكننا مع الأسف نجد أن أكثر المتضررين من استمرار الوضع القائم على ما هو عليه بدلا من أن يساعدوا هيئة سوق المال في أداء مهامها ويباركوا جهودها هم الذين ينتقدونها وبحدة لأنهم وقعوا فريسة التضليل المتعمد الذي يدفع له كبار المضاربين ويتبناه بعض المحللين في المنتديات وعبر رسائل الجوال· المستفيدين من استمرار الفوضى والتعتيم في سوق الأسهم لديهم من القوة المالية ومنافذ التأثير الإعلامي ما لا يستهان به، وإمكاناتهم قد تفوق إمكانات هيئة سوق المال، ناهيك عن حضورهم الاجتماعي في السمرات والاستراحات· ويراهن هؤلاء في حملاتهم التشهيرية على جهل معظم المتعاملين بنظام الاقتصاد الرأسمالي الحر وجهلهم بطبيعة مهام هيئة سوق المال ونطاق صلاحياتها واختصاصاتها·

هيئة سوق المال هيئة رقابية تنظيمية وليس من صلاحياتها التدخل السافر في تحركات السوق وعمليات البيع والشراء إلا ما يخالف منها الأنظمة التي تضعها جهات التشريع المالية مثل مؤسسة النقد· فليس من صلاحية هيئة سوق المال مثلا أن تمنع البنوك من تسييل محافظ عملائها حسب العقد المبرم بين البنك والعميل، فهذه أولا مسؤولية العميل الذي وقع العقد وأدخل نفسه في هذا النفق المظلم، وهي تعود أيضا إلى مدى إحساس البنوك بالمسؤولية الوطنية والتي كان من المفروض أن تتحلى بها البنوك في ظل ما يمر به السوق من تقلبات أضرت بالكثير من المواطنين وأصبحت تشكل تهديدا للاقتصاد الوطني والذي سوف ينعكس سلبا في نهاية المطاف وعلى المدى الطويل على البنوك ذاتها· كما أنه ليس من صلاحيات الهيئة منع الناس من الاستدانة للدخول إلى سوق الأسهم، فكل إنسان حر في تصرفاته· فوزارة الصحة مثلا عليها أن تبين للناس مخاطر الإكثار من تناول بعض الأطمعة لكنها لا تستطيع منع مرضى السكر من تناول الحلويات أو مرضى القلب من تناول الدهنيات·

وبدلا من توجيه اللوم إلى هيئة سوق المال التي لا تملك حق سن القوانين ينبغي لنا التوجه إلى هيئات التشريع المالية لوضع المزيد من الضوابط على السوق، ليس فقط على المتعاملين الأفراد بل حتى على البنوك، خصوصا فيما يتعلق بتسهيلات القروض التي يسهل الولوج إليها ولكن يصعب الخروج منها· فالبنوك، كما يقول المثل، ضِرْسٍ عْلُوّ يْعَلِك ولا يِعْلَك عليه، فهي أينما توجه السوق مستفيدة حتما والأضرار كلها يتحملها المواطن المسكين·

ويرى البعض أنه في ظل نظام الاقتصاد الحر ليس من حق الدولة ومؤسساتها التدخل في السوق· لكن ينبغي لنا أن لا ننس أن الدول الأوربية في مرحلة انتقالها من الاقتصاد الاقطاعي إلى الاقتصاد التجاري الرأسمالي لم تتردد في اتخاذ الكثير من الإجراءات وصارت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في الشؤون الاقتصادية لدعم أسواقها الناشئة ومن أجل تشجيع تجارتها وحماية صناعاتها المحلية· فقد قامت بتحديد الأسعار والأجور وتحديد سعر الفائدة على القروض وصرف العملة الأجنبية· بل إنها شجعت على الزواج والإنجاب لزيادة السكان لأن السكان هم الذين يشكلون قو ة العمل الإنتاجية· وقد وصلت هذه التدخلات إلى حد أنه لما تولى جين بابتست كولبرت Jean Baptiste Colbert وزارة المالية الفرنسية في ظل حكم لويس الرابع عشر من سنة 1661 إلى 1683 حاول أن يخضع كل مظهر من مظاهر التجارة والاقتصاد في فرنسا لرقابة الدولة وإشرافها لدرجة إنه حدد عدد الخيوط التي ينبغي أن تتظمنها كل بوصة من نسيج القماش·

وأخيرا يبقى لنا رجاء واقتراح نأمل من هيئة سوق المال أن تأخذ به· ياحبذا لو أن الهيئة تتواجد إعلاميا بشكل مكثف للتغطية على الإشاعات وعلى ترّهات المحللين والناعقين· فلو أنها وبالتنسيق مع الغرف التجارية خصصت إطلالة يومية لبضع دقائق في أحد، أو حتى في عدد من المحطات الفضائية لتخرج للناس بمعلومات دقيقة وموثوقة يسترشد بها المتعاملون عن وضع السوق والشركات وعن مجمل الوضع الاقتصادي والتنبؤات المستقبلية، إضافة إلى توضيح مهام الهيئة وصلاحياتها·

 







  

<<Previous   |  All Articles  |  Next>>