Please enable JavaScript in your browser preferences and then Reload this page!!!

الصفحة الرئيسية | السيرة الذاتية مراجعات أعمال د. الصويان الأعمال المنشورة | الصحراء العربية: شعرها وثقافتها | أساطير ومرويات شفهية من الجزيرة العربية
 الثقافة التقليدية مقالات صحفية في الأدب الشفهي مقالات صحفية بالعربية محاضرات عامة معرض صور تسجيلات صوتية موسيقى تقليدية
ديواني
| كتب في الموروث الشعبي مخطوطات الشعر النبطي أعمال قيد النشر لقاء تلفزيوني مع محطة العربية مواقع ذات علاقة العنوان

Home | Curriculum Vita | Reviews | Publications | Arabian Desert Poetry | Legends & Oral Narratives  
Traditional Culture
|
Articles on Oral Literature | Articles in SaudiDebate | Public Lectures |  Photo Gallery | Sound Recordings
Traditional Music
| Anthology | Folklore Books | Manuscripts | Work in Progress | TV Interview | Relevent Links | Contact

المجتمع السعودي: فسيفساء أم فتافيت؟!

سعد الصويان

في مستهل حديثي دعني أذكرك بالفرق "وغيرك المعَـلّم" بين الفسيفساء والفتافيت· الفسيفساء قطع صغيرة متباينة الأشكال مختلفة الألوان تراكبت مع بعضها البعض واتحدت لتؤلف شكلا جماليا متناسقا وكلا متكاملا· أما الفتافيت فهي قطع مفتتة ومتناثرة عشوائيا لا يربطها رابط· وبدلا من الفسيفساء والفتافيت دعني أستعير مفهوم السمفونية حينما يتجمع العازفون في أوركسترا متناغمة في مقابل الصخب الذي يحدث لو أن كل مؤدٍّ صار يغني على ليلاه ويعزف منفردا·

هذا المبدأ يمكن أن نطبقه على مكونات المجتمع، سواء اخترنا أن نعتبر المكونات أفرادا أو فئات أو مناطق· لو نظرنا إلى المملكة العربية السعودية من حيث أنها وطن له وحدته السياسية والجغرافية لقلنا إنه فسيفساء جميلة، سيمفونية رائعة· لكن ماذا عن الناحية الاجتماعية؟ هناك جرح ينهش جسدنا الاجتماعي لكن لا أحد يستطيع كشفه وملامسته أو الاقتراب منه أو الحديث عنه، بل إن الطبيب المعالج يشيح عنه ببصره ولا يستطيع معاينته وتفحصه· وحتى من يبحث ويكتب عن تاريخنا الاجتماعي يجد نفسه كمن يطأ في حقل من الأشواك لكثرة ما فيه من الحساسيات والمحاذير· أما في المجالس الخاصة إذا جمعتك الظروف مع أشخاص لا تعرف خلفياتهم الاجتماعية، ولم تستطع أن تتبين ذلك من اللهجة أو الزي، فإنه ينشغل ذهنك وتجد نفسك مرتبكا قلقا عسى ألا تقول ما لا يليق·

الإنسان في مراحل نموه المتتالية من الطفولة إلى المراهقة إلى سن الرشد يمر بمراحل عصيبة وأزمات· كذلك المجتمعات· لكنها تمر بسلام إن  كان النمو طبيعيا· وهذا أمر ليس مستغربا ولا خارجا عن المألوف· وليس من الحكمة تجاهل هذه الصعاب، ولا يمكن تخطيها إلا بمواجهتها، ولكن مع الحرص الشديد على مراعاة المصلحة وأن يكون الهدف تحقيق النمو الاجتماعي السليم المتزن· إننا نعيش تصنيفات فئوية وطائفية وطبقية وقبلية وإقليمية عفى عليها الزمن، وهي مع ذلك لا تزال تعشعش في الأذهان وتستحوذ على النفوس وتسيّر السلوك· إنها ترسبات الماضي ومخلفات مراحل نمو لم نتمكن بعد من تجاوزها وهي تسبب لنا حالة عصاب اجتماعي· متى تتوفر لدينا الشجاعة والوعي والنضج الكافي لمواجهة هذه الأزمة في الفهم والمفاهيم تجاه بعضنا البعض؟ متى نزيح هذا التوتر حتى نعزز الثقة فيما بيننا ونتعايش مع بعضنا في سلام حقيقي وراحة تامة؟! متى يجيء اليوم الذي يتقدم فيه الشاب لخطبة فتاة يحبها دون الأخذ في الاعتبار الخلفية الاجتماعية والأصول الأسرية لأي منهما؟! أم أن هذا مطلب عسير دونه خرط القتاد في وقتنا الراهن؟!

القاعدة الاقتصادية من أهم الأسس التي يقوم عليه البناء الاجتماعي وهي المادة التي تشكل المفاهيم الاجتماعية والقيم الثقافية وتوجه مسارها· لذا فإنه كل ما ترابطت مناطق المملكة وفئات المجتمع المختلفة بروابط ومصالح اقتصادية مشتركة مثل الدخول في المساهمات وتأسيس الشركات كلما تماسكت لحمة النسيج الاجتماعي وذاب الجليد وتلاشت الفروق، وكلما تعزز الإحساس بوحدة المصير المشترك، على الأقل بين المناطق والأقاليم· خذ مثلا التوجيه في الآونة الأخيرة بأن تحرص الشركات المساهمة الجديدة التي تطرح أسهمها للاكتتاب أن تفتح المجال لإشراك أوسع قاعدة شعبية ممكنة· هذه الخطوة قد تبدو متواضعة في نظر البعض لكنني أراها في غاية الأهمية ومثالا ينبغي تعميمه على مجالات وقطاعات أخرى· ومن الخطوات المهمة أيضا فتح باب المشاركة في صنع القرار مثل الانتخابات البلدية وتوسيع المشاركة في مجلس الشورى ورفع عدد الأعضاء ليغطي التمثيل مختلف مناطق المملكة· كما أن فتح ملف الحوار الوطني بين المفكرين والمثقفين دليل مشرف على حكمة القيادة وبعد نظرها، وخطوة جريئة ينبغي أن تتبعها خطوات على طريق التصالح بيننا والاندماج الحقيقي وسد أي ثغرة أو خلل في صفنا الوطني يمكن أن يندس من خلاله من لا يريد لنا الخير· ولا ننس من ناحية أخرى تجربة الجنادرية بعروضها وفرقها الشعبية المختلفة من شتى أنحاء المملكة والتي تؤكد إمكانية دمج ثقافاتنا المحلية والفرعية في مركب ثقافي مشترك ملك للجميع·

ينبغي التفكير بإجراءات وخطوات أخرى مماثلة، على الصعيد الاقتصادي والثقافي والسياسي والاجتماعي وعلى مختلف الأصعدة، إجراءات من شأنها أن تزيل الحواجز التقليدية والتقسيمات الاجتماعية والمناطقية  التي تفتتنا وتجرح شعورنا الوطني وتعيق تطورنا ومسيرتنا التنموية· نريد ترميم البناء الاجتماعي وإعادة هيكلته وفق أسس حديثة ومفاهيم عصرية· ولعل مما يسهل هذه المهمة، بل ويشجع عليها، أن أنظمة الدولة، بجميع اللوائح والقوانين المتفرعة منها، لا تتضمن أي إشارة تفيد بوجود أي مفاضلة أو تمييز في الحقوق ودرجة المواطنة بين المناطق الجغرافية أو بين الفئات والطبقات الاجتماعية· الأزمة التي نعاني منها في هذا الصدد ليست أزمة نظام ولكنها أزمة قيم ثقافية وتقاليد اجتماعية وترسبات من الماضي التي ينبغي تخطيها واستبدالها بقيم ومفاهيم أكثر تمشيا مع الحاضر ومع روح العصر·

ياحبذا لو يتم تشكيل مركز أبحاث وطني للهندسة الاجتماعية، يُعطى ما يكفي من الثقة والصلاحيات وتكون مهمته تشخيص مشاكلنا المستعصية، خصوصا تلك المتجذرة في تاريخنا الاجتماعي وخلفياتنا الثقافية والإقليمية وطبيعة تكويننا الجغرافي وتبحث لها عن مخارج مقبولة وحلول عملية مستساغة من أجل رسم خارطة جديدة للمجتمع تحيله من فتافيت تأكلها الذر إلى فسيفساء تخزي العين·

* كتب الشاعر المرحوم علي أبو ماجد على غلاف ديوانه "مظلوم"

          قالوا وش انت وقلت انا مثل غيري             قِدّام يلحقني ملام وزِرِيّه

          إن قلت عبد والا حر والا خضيري             من طينةٍ منها جميع البريه

* ويقول الشاعر المرحوم عايض الابيتر الرشيدي

          حنا عيال آدم وحوا القديمين                 وش يجزعك منا وحنا عصباكم

          حنا عباد الله بالانفس مساوين                   مير ان كبر نفوسكم من خطاكم

 







  

<<Previous   |  All Articles  |  Next>>